قال ابنُ الخَطِيبِ: اتفقوا على أنّ الفِعل لا يخبر عنه؛ لأن قوله: «خرج ضرب» ليس بكلام منتظم، وقد قدحوا فيه بوجوه:
أحدها: أنَّ قوله: «أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ» فعل، وقد أخبر عنه بقوله:
سَوَاءٌ عَلِيْهِمْ «، ونظيره» ثُمَ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوا الآيَات لَّيَسْجُنُنَّهُ «فاعل» بَدَا «هو» يسجننه «.
وثانيها: أن المخبر عنه بأنه فعل لا بد وأن يكون فعلاً، فالفعل قد أخبر عنه بأنه فعل.
فإن قيل: المخبر عنه بأنه فعل لا بد وأن يكن فعلاً، فالفعل قد أخبر عنه بأنه فعل.
فإن قيل: المخبر عنه بأنه فعل هو تلك الكلمة، وتلك الكلمة اسم.
قلنا: فعلى هذا المخبر عنه بأنه فعل إذا لم يكن فعلاً بل اسماً كان هذا الخبر كذباً؛ والتحقيق أن المخبر عنه بأنه فعل إما أن يكون اسماً أو لا يكون، فإن كان الأول كان هذا الخبر كذباً؛ لأن الاسم لا يكون فعلاً، وإن كان فعلاً فقد صار الفعل مخبراً عنه.
وثالثها: أنا إذا قلنا: الفعل لا يخبر عنه، فقد أخبرنا عنه بأنه لا يخبر عنه، والمخبر عنه بهذا الخبر لو كان اسماً لزم أَنَّا قد أخبرنا عن الاسم بأنه لا يخبر عنه، وهذا خطأ، وإن كان فعلاً صار الفعل مخبراً عنه.
ثم قال هؤلاء: لما ثبت أه لا امتناع في الإخبار عن الفعل لم يكن بنا حاجةٌ إلى ترك الظاهر.
أما جمهور النحويين فقالوا: لا يجوز الإخبار عن الفعل، فلا جرم كان التقدير: سواء عليهم إنذارك وعدمه.
وهذه الجملة يجوز أن تكون معترضة بين اسم «إن» وخبرها، وهو «لا يؤمنون» كما تقدم، ويجوز أن تكون هي نفسها خبراً ل «إن» ، وجملة «لا يؤمنون» في محل نصب على الحال، أو مستأنفة، أو تكون دعاءً عليهم بعد الإيمان - وهو بعيد - أو تكون خبراً بعد خبر على رأي من يجوز ذلك.
ويجوز أن يكون «سواء» وحده خبر «إن» ، و «أأنذرتهم» وما بعده بالتأويل المذكور في محل رفع بأنه فاعل له، والتقدير: استوى عندهم الإنذار وعدمه.
و «لا يؤمنون» على ما تقدّم من الأوجه٠ أعني: الحال والاستئناف والدعاء والخبرية.
والهمزة في «أأنذرتهم» الأصل فيها الاستفهام، وهو - هنا - غير مراد، إذ المراد التسوية، و «أنذرتهم» فعل وفاعل ومفعول.
و «أم» - هنا - عاطفة وتسمى متصلةً، ولكونها متصلة شرطان:
أحدهما: أن يتقدمها همزة استفهام أو تسوية لفظاً أو تقديراً.