فالجواب أن ظاهر قوله: اصْطَفَى آدم على العالمين، يتناول كل مَنْ يَصِحُّ إطلاق لفظ «العالم» عليه فيندرج فيه الملك، غاية ما في الباب أنه تُرِكَ العملُ بعمومه - في بعض الصور - لدليل قام عليه فلا يجوز أن يتركه في سائر الصور من غير دليل.
فصل
الاصطفاء - في اللغة - الاختيار فمعنى اصْطَفاهُم: أي: جعلهم صفوةَ خلقه تمثيلاً بما يُشَاهَد من الشيء الذي يُصَفَّى من الكدورة، ويقال: صفَّاهم صَفْوَةً، وصِفْوَةً، وصُفْوَةً.
ونظير هذه الآية قوله - لموسى -: {إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس} [الأعراف: ١٤٤] .
وقال في إبراهيم وإسحاق ويعقوب: {وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المصطفين الأخيار} [ص: ٤٧] وفي الآية قولان:
أحدهما: المعنى أ، الله اصطفى دين آدمَ ودين نوح - على حذف مضاف - كما تقدم.
الثاني: أن الله اصطفاهم؛ أي: صفَّاهم من الصفاتِ الذميمة، وزينهم بالصفات الحميدة، وهذا أولى لعدم الاحتياج إلى الإضمار، ولموافقة قوله: {الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤] .
فصل
قيل: اختار الله آدم بخمسة أشياءٍ:
أولها: أنه خلقه بيده في أحسن صورة بقدرته.
الثاني: أنه علَّمه الأسماء كلَّها.
الثالث: أنه أمر الملائكة أن يسجدوا له.
الرابع: أنه أسكنه الجنة.
الخامس: أنه جعله أبا البشر.
واختار نوحاً بخمسة أشياءٍ:
أولها: أنه جعله أبا البشر - بعد آدم -؛ لأن الناس كلَّهم غرقوا، وصار ذريته هم الباقين.
الثاني: أنه أطال عمره، ويقال: «طوبى لمن طال عمره وحسن عمله» .
الثالث: أنه استجاب دعاءه على الكافرين والمؤمنين.
الرابع: أنه حمله على السفينة.
الخامس: أنه كان أول من نسخ الشرائع، وكان قبل ذلك لم يُحَرَّم تزويج الخالات والعمات.