وثانيها: القوة السامعة، فكان - عليه السلام - أقوى الناسِ في هذه القوة؛ لقوله:«أطت السماء وحق لها أن تئط؛ ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد لله تعالى» .
وسمع أطيط السماء وسمع دوياً فذكر أنه هويّ صخرة قذفت في جهنم، فلم تبلغ مقرها إلى الآن.
قال الحليمي: ولا سبيل للفلاسفة إلى استبعاد هذا؛ فإنهم زعموا أن فيثاغورث راضَ نفسه حتى سمع حفيف الفلك. ونظير هذه القوة لسليمان - عليه السلام - في قصة النملة حيث قالت:{ياأيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ}
[النمل: ١٨] فالله - تعالى - أسمع سليمان كلامَ النملة، وأوقفه على معناه وحصل ذلك لمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين تكلم مع الذئب والبعير والضَّبِّ.
وثالثها: تقوية قوة الشَّمِّ، كما في حق يعقوب - حين قال:{إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ}[يوسف: ٩٤] فأحسّ بها من مسيرة ثلاثة أيامٍ.
ورابعها: تقوية قوة الذوقِ، كما في حق نبيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين قال:«إن هذا الذراع يخبرني بأنه مسموم» .
خامسها: تقوية قوة اللمس، كما في حق الخليل - عليه السلام - حيث جُعِلَتْ له النارُ بَرْداً وسلاماً وكيف يستبعد هذا ويُشَاهَد مثلُه في السَّمَنْدَل، والنعامة.
وأما الحواس الباطنة فمنها: قوة الحفظ، قال تعالى:{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تنسى}[الأعلى: ٦] ، ومنها: قوة الذكاء: قال عليٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: علمني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ألف باب من العلم، واستنبط من كلّ باب ألف باب. فإذا كان حال الولي هكذا فكيف حال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ؟
أما القوى المحرِّكة، فمثل عروج الرسول إلى المعراج، وعروج عيسى حيًّا إلى السماء، ورَفْع إدريس وإلياس - على ما وردت به الأخبار - قال تعالى:{قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكتاب أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}[النمل: ٤٠] .
وأما القوة الروحانية العقلية، فلا بد أن تكون في غاية الكمال، ونهاية الصفاء، إذا