وقيل: لأنه تكلم ف يالطفوليَّة، وأتاه الكتاب في زَمَنِ الطفوليَّةِ، فلهذا كان بالغاً مبلغاً عظيماً، فسُمِّيَ كلمة كما يقال: فلان جود وإقبال - إذا كان كاملاً فيهما.
وقيل: لما وردت البشارةُ به في كتب الأنبياء قبله، فلما جاء قيل: هذا هو تلك الكلمة - كما إذا أخبر عن حدوث أمر، فإذا حَدَث ذلك الأمر، قال: قد جاء قولي، وجاء كلامي - أي: ما كنت أقول، وأتكلم به - ونظيره قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الذين كفروا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النار}[غافر: ٦] وقوله: {ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب عَلَى الكافرين}[الزمر: ٧١] .
وقيل: لأن الإنسان قد يُسَمَّى ب «فضل الله» و «لطف الله» وكذلك عيسى كان اسمه كلمة الله وروح الله.
واعلم أن كلمة الله - تعالى - كلامه، وكلامه - على قول أهل السنة - صفةٌ قديمةٌ قائمةٌ بذاته وفي قول المعتزلة: صفة يخلقها الله في جسم مخصوص، دالة بالوضع على معاني مخصوصة.
وضروريّ حاصل بأن الصفة القديمة، أو الأصوات التي هي أعراض غير باقية يستحيل أن يقال: إنها ذات عيسى، ولما كان ذلك باطلاً في بداهة العقول، لم يَبْقَ إلا التأويل.
قوله:{مِّنَ الله} في محل جر؛ صفة ل «كَلِمَةٍ» فيتعلق بمحذوف، أي: بكلمة كائنة من الله {وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً} أحوال أيضاً - كمصَدِّقاً. والسيد: فَيْعِل، والأصل سَيْود، ففُعِلَ به ما فعل ب «ميت» ، كما تقدم، واشتقاقه من سَادَ، يَسُودُ، سِيَادَةً، وسُؤدُداً - أي فاق نظراءه في الشرف والسؤدد.
وجمعه على «فَعَلَة» شاذ قياساً، فصيح استعمالاً؛ قال تعالى:{إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا}[الأحزاب: ٦٧] .
وقال بعضهم: سُمي سيِّداً؛ لأنه يسود سَوَاد الناس أي: مُعْظَمهم وجُلَّهم. والأصل سَوَدَة، و «فَعَلَة» لِ «فاعِل» نحو كافِر وكفرة، وفاجِر وفَجَرَة، وبارّ وبررة.