للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يدعون استخراج الجنيِّ لا يُمكنهم ذلك إلا عن تقدم سؤال يستعينون عند ذلك بآلة، ويتوصَّلون بها إلى معرفة أحوال الكواكبِ، ثم يعترفون بأنهم يغلطون كثيراً، فأما الإخبار عن الغيب من غير استعانة بآلة ولا تقدم مسألة فلا يكون إلا بوحي من الله تعالى.

قوله: {إنَّ فِى ذَلِكَ} إشارة غلى جميع ما تقدم من الخوارق، وأشِير إليها بلفظ الإفْرادِ - وإن كانت جمعاً في المعنى - بتأويل ما ذُكِر.

وقد تقدم أن مصحفَ عبدِ الله وقراءته «لآياتٍ» - بالجمع؛ مراعاةً لما ذكرنا من معنى الجمع، وهذه الجملة يُحْتَمَل أن تكون من كلام عيسى، وأن تكون من كلام الله تعالى.

قوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} جوابه محذوف، أي: إن كنتم مؤمنين انتفعتم بهذه الآية، وتدبَّرتموها. وقدر بعضهم صفةً محذوفةً ل «آية» أي: لآية نافعة. قال ابو حيّان: «حتى يتَّجه التعلُّق بهذا الشرط» وفيه نظر؛ إذْ يَصِحّ التعلُّق بالشرط دون تقدير هذه الصفة.

قوله: {مُصَدِّقًا} نَسَقٌ على محل بآيةٍ، لأن محل «بآيَةٍ» في محل نصبٍ على الحالِ؛ إذ التقدير وجئتكم متلبساً بآيةٍ ومصدقاً.

وقال الفراء والزَّجَّاجُ: نصب «مُصَدِّقاً» على الحال، المعنى: وجئتكم مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ، وجاز إضمار «جئتكم» ، لدلالة أول الكلام عليه - وهو قوله: {أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} - ومثله في الكلام: جئته بما يُحِبُّ ومُكْرِماً له.

قال الفراء: «ولا يجوز أن يكون» مُصَدِّقاً «معطوفاً على» وَجِيهاً «؛ لأنه لو كان كذلك لقال: أو مصدقاً لما بين يديه، يعني: أنه لو كان معطوفاً عليه؛ لأتى معه بضمير الغيبة، لا بضمير التكلُّم» . وذكر غير الفرّاء، ومنع - أيضاً - أن يكون منسوقاً على «رَسُولاً» قال: لأنه لو كان مردوداً عليه لقال: ومصدقاً لما بين يديك؛ لأنه خاطب بذلك مريم، أو قال: بين يديه.

يعني أنه لو كان معطوفاً على «رَسُولاً» لكان ينبغي أن يُؤتَى بضمير الخطاب؛ مراعاةً لمريم، أو بضمير الخطاب مراعاةً للاسم الظاهر.

قال أبو حيّان: وقد ذكرنا أنه يجوز في «رَسُولاً» أن يكون منصوباً بإضمار فعل - أي: وأرسلت رسولاً - فعلى هذا التقدير يكون «مُصَدِّقاً» معطوفاً على «رَسُولاً» .

قوله: {مِنَ التوراة} فيه وجهان:

أحدهما: أنه حال من «ما» الموصولة، أي: الذي بين يدي حال كونه من التوراةِ، فالعامل فيه مصدقاً لأنه عامل في صاحب الحالِ.

الثاني: أنه حال من الضمير المُسْتَتِر في الظرف الواقع صِلَةً. والعامل فيه الاستقرارُ المُضْمَرُ في الظرف أو نفس الظرف؛ لقيامه مقامَ الفعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>