فصل
اعلم أنه يجب على كل نبيٍّ أن يكون مُصَدِّقاً لجميع الأنبياء؛ لأن الطريق إلى ثبوت نبوتهم هو المعجزة، فكل مَنْ حصلت له المعجزةُ، وجب الاعترافُ بنبوته.
قوله: {وَلأُحِلَّ} فيه أوجُهٌ:
أحدها: أنه معطوف على معنى «مُصَدِّقاً» إذ المعنى: جئتكم لأصَدِّقَ ما بين يديَّ ولأحِلَّ لكم، ومثله من الكلام: جئته مُعْتَذِراً إليه ولأجْتَلِبَ رِضاهُ - أي: دئت لأعتذر ولأجتلب - كذا قال الواحديُّ، وفيه نظرٌ؛ لأن المعطوف عليه حال، وهذا تعليلٌ.
قال أبو حيّان: - بعد أن ذكر هذا الوَجْهَ -: «وهذا هو العطف على التوهُّم وليس هذا منه؛ لأن معقولية الحال مخالفة لمعقوليَّة التعليلِ، والعطف على التوهُّم لا بُدَّ أن يكون المعنى مُتَّحِداً في المعطوف والمعطوف عليه، ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن} [المنافقون: ١٠] كيف اتحد المعنى من حيث الصلاحية لجواب التحضيض.
وكذلك قول الشاعر: [الطويل]
١٤٨٢ - تَقِيٌّ نَقِيٌّ، لَمْ يُكَثِّرْ غَنِيمَةً ... بِنَهْكَةِ ذِي قُرْبَى وَلَا بِحَقَلَّدِ
كيف اتخذ معنى النفي في قوله: لم يُكَثِّرْ، وفي قوله: ولا بِحَقلَّدٍ، أي: ليس بمكثر ولا بحقلدٍ.
وكذلك ما جاء منه «.
قال شهابُ الدّينِ:» ويمكن أن يريد هذا القائلُ أنه معطوف على معنى «مُصَدِّقاً» أي: بسبب دلالته على علةٍ محذوفةٍ، هي موافقة له في اللفظ، فنسب العطف على معناه، باعتبار دلالته على العلة المحذوفة لأنها تشاركه في أصل معناه - أعني مدلول المادة - وإن كانت دلالة الحال غير دلالة العقل «.
الثاني: انه معطوف على عِلَّةٍ مقدرة، أي: جئتكم بآية، ولأوسِّعَ عليكم ولأحِلَّ، أو لأخفِّفَ عنكم ولأحِلَّ، ونحو ذلك.
الثالث: أنه معمول لفعلٍ مُضْمَرٍ؛ لدلالة ما تقدم عليه، أي: وجئتكم لأحِلَّ، فحذف العامل بعد الواو.
والرابع: أنه متعلق بقوله: {وَأَطِيعُونِ} والمعنى اتبعوني لأحِلَّ لكم. وهذا بَعِيدٌ جداً أو مُمتنع.
الخامس: أن يكون {ولأُحِلَّ لَكُمْ} رداً على قوله:» بِآيةٍ «. قال الزمخشريُّ: {وَلأُحِلَّ} رَدٌّ على قوله {بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} أي: جئتكم بآية من ربكم ولأحلَّ.