الثالث: بمعنى البحث، قال تعالى:{فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ}[يوسف: ٨٧] .
الرابع: بمعنى الصوت، قال تعالى:{لَا يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا}[الأنبياء: ١٠٢] أي: صَوْتَهَا.
قوله:{مِّنْهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: أن يتعلق ب «أحَسَّ» و «مِنْ» لابتداء الغاية أي: ابتداء الإحساس من جهتهم.
الثاني: أنه متعلق بمحذوف، على أنه حال من الكفر، أي: أحس الكفر حال كونه صادراً منهم.
فصل
في هذا الإحساس وجهان:
أحدهما: أنهم تكلَّمُوا كلمةَ الكُفْرِ فأحَسُّوا ذلك بإذنه.
والثاني: أن يُحْمَلَ على التأويل، وهو أنه عرف منهم إصرارَهم على الكفر وعزمهم على قتله، ولما كان ذلك العلم عِلْماً لا شُبْهَةَ فيه، مثل العلم الحاصل من الحواس - لا جرم - عبر عنه بالإحساس، واختلفوا في السبب الذي ظهر فيه كفرهم على وُجُوهٍ:
أحدها: قال السُّدِّيُّ: إنه - تعالى - لما بعثه إلى بني إسرائيل، ودعاهم إلى دينِ اللهِ تعالى فتمردوا وعصوا، فخافهم واختفى عنهم.
وقيل: نفوه وأخرجوه، فخرج هو وأمُّه يَسِيحَانِ في الأرض، فَنَزَلا في قرية على رجل، فأضافهم، وأحسن إليهم، وكان بتلك المدينة ملك جَبَّار، فجاء ذلك الرجل يوماً حَزِيناً، مُهْتضمًّا، ومريم عند امرأته، فقالت مريم ما شأن زَوْجك؟ أراه كئيباص؟ قالت: لا تسأليني. فقالت: أخبريني، لعل الله يفرِّج كرْبَتَه، قالت: إن لنا ملكاً يجعل على كل رجل منا يطعمه ويطعم جنوده، ويسقيهم الخمر، فإن لم يفعل، عاقبه، واليوم نوبتنا، وليس لذلك عندنا سَعَةٌ، قالت: فقولي له: لا يهتم؛ فإني آمُرُ ابني فيدعو له، فيُكفى ذلك. فقالت مريم لعيسى يا ولدي ادع الله أن يكفيه ذلك، فقال: يا أمَّه، إن فعلتُ ذلك كان فيه شر فقالت: قد احْسَنَ إلينا وأكرمنا، فقال عيسى: قولي له إذا قَرُب مجيء الملك فاملأ قُدُورَك وجوابيَك [ماءاً] ثم أعْلِمْني.
ففعل ذلك، فدعا الله تعالى - فتحوَّل ما في القدور طبيخاً، وما في الجوابي خَمْراً، لم يرى الناس مثلَه، فلما جاء الملك أكل، فلما شرب الخمرَ، قال: من اين هذا الخمر؟ قال: من أرض كذا، قال الملك: إن خمري من تلك الأرض وليست مثل هذه قال: هذه من أرض أخرى، فلما خلط على الملك، واشتد عليه، قال: أنا أُخْبِرُك، عندي غلام لا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه وإنه دعا الله فجعل الماء خمراً وكان للملك ابن يُريد أن يستخلفه، فمات قبل ذلك بأيام - وكان أحبَّ الخلق إليه - فقال: إنه رجل دعا الله حتى جعل الماء خمراً ليُستجابَنَّ له حتى يُحْييَ ابني، فدعا عيسى