فكلمه في ذلك فقا لعيسى: لا تفعل فإنه إن عاش وقع الشر فقال: ما أبالي ما كان - إذا رأيته - قال عيسى: فإن أحيَيْتُهُ تتركني وأمي نذهب حيث شئنا؟ قال: نعم. فدعا الله تعالى - فعاش الغلامُ، فلما رآه أهل مملكته قد عاش تنادوا بالسلاح وقالوا: أكلنا هذا، حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلفَ علينا ابنه فيأكلنا كما أكلنا أبوه؟ فاقتتلوا. وذهب عيسى وأمُّه فمروا بالحواريِّين - وهم يصطادون السمكَ - فقال ما تصنعون؟ قالوا: نصطاد السمك، قال: أفلا تمشون حتى تصطادوا الناسَ؟ قالوا: مَنْ أنت؟ قال: عيسى ابن مريم، عبد الله ورسوله، {مَنْ أنصاري إِلَى الله} ؟ فآمنوا به وانطلقوا معه وصار أمر عيسى مشهوراً في الخلق، فقصد اليهودُ قتلَه، وأظهروا الطعن فيه.
وثانيها: أن اليهود كانوا عارفين بأنه المسيح المبشَّر به في التوراة، وأنه ينسخ دينَهم، فكانوا هم أوَّل طاعنين فيه، طالبين قَتْلَهُ، فلما أظهر الدعوةَ، اشتد غضبهُم، وأخذوا في إيذائه وطلبوا قتله.
وثالثها: أن عيسى - عليه السلام - ظنّ من قومه الذين دعاهم إلى الإيمان أنهم لا يؤمنون به، وأن دعوته لا تنجع فيهم، فأحب أن يمتحنهم، ليتحقق ما ظنه بهم، فقال لهم:{مَنْ أنصاري إِلَى الله} فما أجابه إلا الحواريُّونَ، فعند ذلك أحس بأن مَنْ سِوَى الحواريين كافرون، مصرون على إنكار دينه، وطلب قتله.
قوله:{مَنْ أنصاري إِلَى الله} ؟ «أنْصَار» جمع نصير نحو شريف وأشراف.
وقال قوم: هو جمع نَصْر المراد به المصدر، ويحتاج إلى حذف مضاف أي مَنْ أصْحَابُ نُصْرَتي؟ و «إلى» على بابها، وتتعلق بمحذوف؛ لنها حال، تقديره: من أنصاري مضافين إلى الله، كذا قدره أبو البقاء.
وقال قوم إن «إلَى» بمعنى مع أي: مع الله، قال الفرَّاء: وهو وجه حسن. وإنما يجوز أن تجعل «إلَى» في موضع «مع» إذا ضَمَمْتَ الشيء إلى الشيء مما لم يكن معه، كقول العرب: الذود إلى الذَّوْدِ إبل، أي: مع الذود.
بخلاف قولك: قدم فلان ومعه مال كثير، فإنه لا يصلح أن يقال: وإليه مال، وكذا قوله: قدم فلان مع أهله، ولو قلت إلى أهله لم يصح، وجعلوا من ذلك أيضاً قوله:{وَلَا تأكلوا أَمْوَالَهُمْ إلى أَمْوَالِكُمْ}[النساء: ٢] .
وقد رد أبو البقاء كونَها بمعنى:«مع» فقال: [وقيل: هي بمعنى: «مع» ] وليس بشيء؛ فإن «إلَى» لا تصلح أن تكون بمعنى «مع» ولا قياس يُعَضِّدُهُ.
وقيل: إن «إلَى» بمعنى اللام من أنصاري لله؟ كقوله:{يهدي إِلَى الحق} ، كذا