بدل من تاء الافتعال؛ لوقوعها بعد الزاي، كذا أعربه أبو حيان، وفيه نظر؛ إذ المعنى على أنه مفعول به، وهي أن الفعل المتعدي لاثنين إذا جُعِل مطاوعاص نقص مفعولاً، وهذا من ذاك؛ لأن الأصل: زدت زيداً خيراً فازداده، وكذلك أصل الآيةِ الكريمةِ: زادهم الله كُفراً فازدادوه، فلم يؤت هنا بالفاء داخلةً على «لَنْ» وأتي بها في «لَنْ» الثانية، لأن الفاءَ مُؤذِنَةً بالاستحقاق بالوصف السابق - لأنه قد صَرَّحَ بقَيْد مَوْتِهِم على الكُفْر، بخلاف «لَنِ» الأولى، فإنه لم يُصَرِّحْ ممعها به فلذلك لم يُؤتَ بالفاء.
قال ابن الخطيب: دخول الفاء يدل على أن الكلام مبني على الشرط والجزاء، وعند «عدم» الفاء لم يفهم من الكلام كونه شرطاً وجزاء، تقول: الذي جاءني له درهم، فهذا لا يُفيد أن الدرهم حصل له بسبب المجيء، وذكر التاء يدل على أن عدم قبول الفدية معلل بالموت على الكفر.
وقرأ عكرمة «لن نَقْبَلَ» بنون العظمة، ونصب «توبَتَهم» وكذلك قرأ «فلن نقبل من أحدهم ملء» بالنصب.
فصل
قال القرطبي: قال قتادة والحسن: نزلت هذه الآية في اليهود، كفروا بعيسى عليه السلام، والإنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والقرآن.
وقال أبو العالية: نزلت في اليهود والنصارى، كفروا بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لما رأوه بعد إيمانهم بنعته وصفته في كتبهم، ثم ازدادوا كفراً يعني: ذنوباً، يعني: في حال كفرهم.
وقال مجاهد: نزلت في جميع الكفار؛ أشركوا بعد إقرارهم بأن الله تعالى خالقُهم، ثم ازدادوا كُفْراً، أي: أقاموا على كُفْرهم حتى هلكوا عليه.
وقيل: ازدادوا كُفْراً كلما نزلت آية كفروا بها، فازدادوا كُفْراً.
وقيل: ازدادوا بقولهم: نتربص بمحمد ريب النون.
وقال الكلبي: نزلت في الأحد عشر أصحاب الحَرْث بن سُوَيْد، لما رجع إلى الإسلام، أقاموا هم على الكفر بمكة، وقالوا: نقيم على الكفر ما بدا لنا، فمتى أردنا الرجعة ينزل فينا ما نزل في الحَرْث، فلما افتتح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مكةَ، فمن دخل منهم في الإسلام قُبِلَت توبته، ونزلت فيمن مات منهم كافراً:{إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار}[البقرة: ١٦١] الآية.