فإن قيل: قد وعد اللهُ بقبول توبة مَنْ تاب، فما معنى قوله: «فلن تقبل توبتهم» ؟
قيل: لن تقبل توبتُهم إذا وقعوا في الحشرجة، كما قال: {وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآن}
[النساء: ١٨] قاله الحسنُ وقتادة وعطاء.
وقيل: هذا مخصوص بأصحاب الحرث بن سُويد حين أمسكوا عن الإسلام، وقالوا: نتربَّص بمحمد، فإن ساعده الزمان نرجع إلى دينه، لن يقبل ذلك منهم.
وقال القاضي والقفال وابنُ الأنباري: إنه - تعالى - لما قدَّم ذِكْر مَنْ كفر بعد الإيمان، وبيَّن أنه أهل اللعنة إلا أن يتوب، ذكر في هذه أنه لو كفر مرةً أخْرَى بعد تلك التوبة الأولى، فإن تلك التوبة الأولى تعتبر غير مقبولة، وتصير كأنها لم تكن.
قال: وهذا الوجه أليق بالآية من سائر الوجوه، لأن تقدير الآية: إلا الَّذين تابوا وأصلحوا فإن الله غفور رحيم، فإن كانوا كذلك، ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم.
وقال الزمخشري: قوله: «لن تقبل توبتهم» كناية عن الموت على الكفر؛ لأن الذي لا تُقْبَل توبتُه من الكفار هو الذي يموت على الكفر، كأنه قيل: إن اليهود والمرتدين الذين فعلوا ما فعلوا، ميتون على الكفر داخلون في جملة من لا تُقْبَل توبتهم.
وقيل: لعلّ المراد ما إذا تابوا عن تلك الزيادة، ولا تصير مقبولة ما لم تحصل التوبة عن الأصل.
قال ابن الخطيب: «وهذه الجوابات إنما تتمشى على ما إذا حملنا قوله:» إن الذين كفروا ثم ازدادوا كفراً «على المعهود السابق، لا على الاستغراق، وإلا فكم من مرتد تابَ عن ارتداده توبةً صحيحةً، مقرونة بالإخلاص في زمان التكليف، فأما جواب القفال والقاضي، فهو جواب مطرد، سواء حملنا اللفظ على المعهود السابق، أو على الاستغراق» .
قوله: «وأولئك هم الضالون» في هذه الجملة ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون في محل رفع؛ عَطْفاً على خبر «إنَّ» ، أي: إن الذين كفروا لن تُقْبَلَ توبتُهم، وإنهم أولئك هم الضَّالُّون.
الثاني: أن تُجعل معطوفةً على الجملة المؤكَّدة ب «إنَّ» ، وحينئذ فلا محل لها من الإعراب، لعَطْفِها على ما لا محل له.
الثالث: هو إعرابها بأن تكون الواو للحال، فالجملة بعدها في محل نصب على الحال، والمعنى: لن تقبل توبتهم من الذنوب، والحال أنهم ضالُّون، فالتوبة والضلال متنافيان، لا يجتمعان، قاله الراغب.