طرَفٍ من أطراف العالم؛ لأداء فرض الصلاة، فكان الدوام حاصلاً من هذه الجهة، وأيضاً بقاء الكعبة على هذه الحالة ألُوفاً من السنين دوام - أيضاً -.
وأما كونه هدًى للعالمين، فقيل: لأنه قبلة يهتدون به إلى جهة صلاتهم.
وقيل: هُدًى، أي: دلالة على وجود الصانع المختار، وصدق محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في النبوة، بما فيه من الآيات والعجائب التي ذكرناها.
وقيل: هُدًى للعالمين إلى الجنة؛ لأن من أقام الصلاة إليه استوجب الجنة.
قوله: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} يجوز أن تكون هذه الجملة في محل نصب على الحال، إما من ضمير «وُضِعَ» وفيه ما تقدم من الإشكال.
وأمَّا من الضمير في «بِبَكَّةَ» وهذا على رأي مَنْ يُجِيز تعدد الحال الذي حالٍ واحدٍ.
وإما من الضمير في «للعالمِينَ» ، وإما من «هُدًى» ، وجاز ذلك لتخصُّصِه بالوَصْف، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في «مُبَارَكاً» .
ويجود أن تكون الجملة في محل نصب؛ نعتاً لِ «هُدًى» بعد نعته بالجار قبله. ويجوز أن تكون هذه الجملة مستأنفةً، لا محل لها من الإعراب، وإنما جِيء بها بياناً وتفسيراً لبركته وهُداه، ويجوز أن يكون الحال أو الوصف على ما مر تفصيله هو الجار والمجرور فقط، و «آياتٌ» مرفوع بها على سبيل الفاعلية لأن الجار متى اعتمد على أشياء تقدمت أول الكتاب رفع الفاعل، وهذا أرجح مِنْ جَعْلِها جملةً من مبتدأ وخبر؛ لأن الحالَ والنعتَ والخبرَ أصلها: أن تكون مفردة، فما قَرُب منها كان أولى، والجار قريب من المفرد، ولذلك تقدَّكم المفردُ، ثم الظرفُ، ثم الجملة فيما ذكرنا، وعلى ذلك جاء قوله تعالى:
{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} [غافر: ٢٨] ، فقدم الوصف بالمفرد «مُؤمِنٌ» ، وثَنَّى بما قَرُبَ منه وهو {مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} [البقرة: ٤٩] ، وثلَّث بالجملة وهي {يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} وقد جاء في الظاهر عكس هذا، وسيأتي الكلام عليه - إن شاء الله - عند قوله: {بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ} [المائدة: ٤٥] .
قوله: {مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} فيه أوْجُه:
أحدها: أن «مَقَام» : بدل من «آيَاتٌ» وعلى هذا يقال: إن النحويين نَصُّوا على أنه متى ذكر جَمع لا يُبْدَل منه إلا ما يُوَفِّي بالجمع، فتقول: مررت برجال زيد وعمرو وبكر؛ لأن أقل الجمع - على الصحيح - ثلاثة، فإن لم يُوَفِّ، قالوا: وجب القطع عن البدلية، إما إلى النصب بإضمار فِعْل، وإما إلى الرفع، على مبتدأ محذوف الخبر، كما تقول - في المثال المتقدم - زيداً وعمراً، أي: أعني زيداً وعمراً، أو زيد وعمرو، أي: منهم زيد وعمرو.
ولذلك أعربوا قول النابغة الذبياني: [الطويل]