للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

١٥٣٩ - تَوَهَّمْتُ آيَاتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا ... لِسِتَّةِ أعْوَامٍ وَذَا العَامُ سَابِعُ

رَمَادٌ كَكُحْلِ الْعَيْنِ لأْياً أبينُهُ ... وَنُؤيٌ كَجِذْمِ الْحَوْضِ أثْلَمُ خَاشِعُ

على القطع المتقدم، أي: فمنها رمادٌ ونؤي، وكذا قوله تعالى: {هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الجنود فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} [البروج: ١٧ - ١٨] أي: أعني فرعون وثمود، أو أذُمّ فرعونَ وثمودَ، على أنه قد يُقال: إن المراد بفرعون وثمودَ؛ هما ومَنْ تبعهما من قومهما، فذكرهما وافٍ بالجمعيَّةِ.

وفي الآية الكريمة - هنا - لم يُذْكَر بعد الآيات إلا شيئان: المقام، وأمن داخله، فكيف يكون بَدَلاً؟

وهذا الإشكال - أيضاً - وارد على قول مَنْ جعلَه خبرَ مبتدأ محذوفٍ، أي: هي مقام إبراهيم، فكيف يُخْبِر عن الجمع باثنين؟

وفيه أجوبة:

أحدها: أن أقلَّ الجمع اثنان - كما ذهب إليه بعضهم.

قال الزمخشري: ويجوز أن يُراد: فيه آيات مقام إبراهيم، وأمن من دخله؛ لأن الاثنين نَوْعٌ من الجَمْع، كالثلاثة والأربعة، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «الاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» .

قال الزجَّاج: ولفظ الجمع قد يُستعمل في الاثنين، قال تعالى: {إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] .

وقال بعضهم: تمام الثلاة قوله: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت} وتقدير الكلام: مقام إبراهيم، وأن من دخله كان آمناً، وأن لله على الناس حَجَّ البيت، ثم حذف «أن» اختصاراً، كما في قوله: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بالقسط} [الأعراف: ٢٩] أي: أمر ربي أن اقسطوا.

الثاني: أن {مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ} وإن كان مفرداً لفظاً إلا أنه يشتمل على آياتٍ كثيرةٍ، بمعنيين:

أحدهما: أن أثر القدمين في الصخرة الصَّمَّاء آية، وغَوصَهما فيها إلى الكعبين آية أخْرَى؛ وبعض الصخرة دون بعض آيةٌ، وإبقاؤه على مر الزمان، وحفظه من الأعداء الكثيرة آية، واستمراره دون آيات سائر الأنبياء خلا نبينا صلى الله عليه وعلى سائرهم آية، قال معناه الزمخشري.

وثانيهما: أن {مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ} بمنزلة آيات كثيرة؛ لأن كل ما كان معجزةً لنبيٍ فهو دليل على وجود الصانع وعلمه وقدرته وإرادته وحياته، وكونه غنيًّا مُنَزَّهاً، مقدَّساً عن مشابهة المحدثات، فمقام إبراهيم وإن كان شيئاً واحداً إلا أنه لما حصل فيه هذه الوجوه

<<  <  ج: ص:  >  >>