آلاف من الملائكة؛ ليصير عدد الكفار مقابلاً لعدد الملائكةِ، مع زيادة عدد المسلمين، فيصير ذلك دليلاً على أن المسلمين يهزمونهم، كما هزموهم يوم بدر، ثم جعل الثلاثة آلاف خمسة آلاف لتزداد قوة المسلمين في هذا اليوم ويزول الخوف عن قلوبهم.
وثالثها: أنه قال في هذه الآية: {وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلااف مِّنَ الملاائكة مُسَوِّمِينَ}[آل عمران: ١٢٥] .
والمراد: ويأتيكم أعداؤكم من فورهم، ويوم أحُد هذا اليوم الذي كان يأتيهم الأعداء، فأما يوم بدر، فإنهم لم يأتوهم، بل هم ذهبوا إلى الأعداء.
فإن قيل: إنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وعدهم بخمسة آلاف يوم أُحُد، فحصول الإمداد بثلاثة آلاف يلزم منه الخلف في الوعد؟
فالجواب من وجهين:
الأول: أن إنزال الآلاف الخمسة، كان مشروطاً بأن يصبروا، ويتَّقوا في المغانم، فَخَالَفُوا أمر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فلما فات الشرط، فات المشروط، وأمَّا إنزال الآلاف الثلاثة، فقد وَعَدَ المؤمنين بها حين بوَّأهُم مقاعدَ القتال.
الثاني: أنا لا نسلم أنَّ الملائكة ما نزلت.
روى الواقدي عن مجاهد قال: حضرت الملائكة يومَ أُحُد، ولكنهم لم يقاتلوا، ورُوِيَ أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أعطى اللواءَ مُصْعَبَ بن عُمَيْر، فقُتِل مُصْعَبٌ، فأخذه ملك في صورة مُصْعَب، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«تقدم يا مصعب» ، فقال الملك: لستُ بمُصعَب، فعرف الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه مَلَك أمِدَّ به.
وعن سعد بن أبي وقاص أنه قال: كنت أرمي السهمَ يومئذٍ، فيرد علي رجل أبيض، حسن الوجه، وما كنت أعرفه، وظننت أنه مَلَك.
فعلى هذا القول يكون قوله تعالى:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ} مُعْتَرِضاً بين الكلامين.
وقال قتادة: أمدَّهم الله يوم بدر بألفٍ من الملائكة، على ما قال:{فاستجاب لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الملاائكة}[الأنفال: ٩] ، ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسةَ آلاف، كما قال هاهنا:{بلى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلااف}[آل عمران: ١٢٥] ، فصبروا يوم بدر واتقوا، فأمدم الله بخمسة آلاف كما وعد، ويدل على ذلك أنَّ قلة العَدَد والعُدَد كانت يومَ بدر أكثر، فكان الاحتياج إلى المَدَد يقوي القلب -