للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقيل: إن تطيعوهم فيما يأمرونكم به يوم أحُدٍ من ترك الإسلامِ.

وقيل: إن تطيعوهم في كل ما يأمرونكم به من الضلال.

وقيل في المشورة. وقيل في تَرْك المحاربة، وهو قوله: {لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ} [آل عمران: ١٥٦] ثم قال: {يَرُدُّوكُمْ على أَعْقَابِكُمْ} يعني يردوكم إلى الكُفْر بعد الإيمان؛ لأن قبولَهُم في الدعوة إلى الكفر، ثم قال: {فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ} فلما كان اللفظ عاماً دخل فيه خُسران الدنيا وخُسْران الآخرة.

أما خسران الدنيا فلان أشَقَّ الأشياء على العُقلاء في الدنيا الانقياد إلى العَدُوِّ، وإظهار الحاجة إليه. وأما خُسْران الآخرة فالحرمان من الثواب المؤبَّد، والوقوع في العقاب المخلَّد و «خَاسِرِينَ» حالٌ.

قوله: {بَلِ الله مَوْلَاكُمْ} مبتدأ وخبر، وقرأ الحسنُ بنصب الجلالةِ؛ على إضمار فِعْل يدل عليه الشرط الأول، والتقدير: لا تطيعوا الذين كفروا، بل أطيعوا الله، و «مَوْلَاكُمْ» صفة.

وقال مَكِّي: «وأجاز الفرَّاء: بل الله - بالنصب -» كأنه لم يطلع على أنها قراءة.

فصل

والمعنى: أنكم إن تطيعوا الكفار لينصروكم ويُعينوكم فهذا جَهْل، لأنهم عاجزون متحيرون، والعاقل يطلب النُّصْرَةَ من الله تعالى؛ لأنه هو الذي ينصركم على العَدُوِّ، ثم بيَّن أنه خير الناصرين، وذلك لوجوهٍ:

أولها: أنه - تعالى - هو القادرُ على نصرتك في كلِّ ما تريدُ والعالم الذي لا يَخْفَى عليه دعاؤك وتضرُّعك، والكريم الذي لا يبخل في جوده ونصرة العبيد بعضهم لبعض بخلاف ذلك في كل هذه الوجوه.

ثانيها: أنه ينصرك في الدُّنْيَا والآخرة، وغيره ليس كذلك.

ثالثها: أنه ينصرك قبل سُؤالك ومعرفتك بالحاجة، كما قال:

{قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بالليل والنهار} [الأنبياء: ٤٢] وغيره ليس كذلك.

واعلم أن ظاهر قوله: {وَهُوَ خَيْرُ الناصرين} يقتضي أن يكون من جنس سائر الناصِرِينَ، وهو منزَّه، عن ذلك، وإنما ورد الكلامُ على حسب تعارفهم، كقوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}

<<  <  ج: ص:  >  >>