برحمة من اللهِ، نظيره قوله:{فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ}[المائدة: ١٣] وقوله: {عَمَّا قَلِيلٍ}[المؤمنون: ٤٠] وقوله: {جُندٌ مَّا هُنَالِكَ}[ص: ١١] وقوله: {مِّمَّا خطيائاتهم أُغْرِقُواْ}[نوح: ٢٥] . والعربُ قد تريد في الكلام - للتأكيد - ما يستغنى عنه، قال تعالى:{فَلَمَّآ أَن جَآءَ البشير أَلْقَاهُ على وَجْهِهِ}[يوسف: ٩٦] فزاد «أن» للتأكيد.
وقال المحققون: دخول اللفظ المهمل الوضع في كلام أحكم الحاكمين - غيرُ جائزٍ، بل تكون غير مزيدة، وإنما هي نكرة، وفيها وجهان:
الأول: أنها موصوفة ب «رَحْمَةٍ» أي: فبشيء رحمة.
الثاني: أنها غير موصوفة، و «رَحْمَةٍ» بدل منها، نقله مكيٌّ عن ابن كَيْسَان.
ونقل أبو البقاءِ عن الأخفش وغيره: أنها نكرة موصوفة، «رَحْمَةٍ» بدل منها، كأنه أبهم، ثم بين بالإبدال.
وقال ابن الخطيب:«يجوز أن تكون» مَا «استفهاماً للتعجب، تقديره: فبأي رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ، وذلك؛ لأن جنايتهم لما كانت عظيمة - ثم إنه ما أظهر - ألبتة - تغليظاً في القول، ولا خشونة في الكلام - علموا أن هذا لا يتأتى إلا بتأييد ربانيٍّ وتسديدٍ إلهيٍّ فكان ذلك موضع التعجب» .
ورد عليه أبو حيّان بأنه لا يخلو إما أن يجعل «ما» مضافة إلى «رَحْمَةٍ» - وهو ظاهر تقديره - فيلزم إضافة «ما» الاستفهامية، وقد نصوا على أنه لا يضاف من أسماء الاستفهام إلا «أي» اتفاقاً و «كم» عند الزَّجَّاج - وإما أن لا يجعلها مضافة، فتكون «رَحْمَةٍ» بدلاً منها، وحينئذٍ يلزم إعادة حرف الاستفهام في البدل، كما قرره النحويون. ثم قال:«وهذا الرجلُ لاحظ المعنى، ولم يلتفت إلى ما تقرر في علم النحو من أحكام الألفاظ، وكان يغنيه عن هذا الارتباك، والتسلق إلى ما لا يحسنه والتصوُّر عليه قول الزجاج - في» ما «هذه: إنها صلة، فيها معنى التأكيدِ بإجماع النحويينَ.
وليس لقائل أن يقولَ: له أن يجعلها غير مضافةٍ، ولا يجعل» رَحْمَةٍ «بدلاً - حالا يلزم إعادة حرف الاستفهام - بل يجعلها صفة، لأن» ما «الاستفهامية لا توصف وكأن من يدعي فيها أنها غير مزيدة يفر من هذه العبارة في كلام الله تعالى، وإليه ذهب أبو بكر الزبيديُّ، فكان لا يُجَوِّزُ أن يقال - في القرآن -: هذا زائد أصلاً.
وهذا فيه نظرٌ؛ لأن القائلين يكون هذا زائداً لا يَعْنون أنه يجوز سقوطه، ولا أنه مُهْمَلٌ لا معنى له بل يقولون: زائد للتوكيدِ، فله أسوةٌ بشائرِ ألفاظِ التوكيدِ الواقعة في القرآن. و» ما «كما تُزاد بين الباء ومجرورها، تزاد أيضاً بين» من «و» عَنْ «والكاف ومجرورها.
قال مكيٌّ: «ويجوز رفع» رحمة «على أن تجعل» ما «بمعنى الذي، وتضمر» هُوَ «