وقال ابنُ عطية:«يحسن دخولُ الفاء إذا كان سببَ الإعطاء، وكذلك ترتيبُ هذه، فالمعنى إنما هو: وما أذن الله فيه فهو الذي أصابكم، لكن قدم الأهم في نفوسهم، والأقرب إلى حسّهم. والإذن: التمكينُ من الشيء مع العلم به» .
وهذا حسنٌ من حيثُ المعنى؛ فإن الإصابة مرتبة على الإذْن من حيث المعنى، وأشار بقوله: الأهم والأقرب، إلى ما أصابهم يوم التقى الجَمْعَانِ.
فصل
ذكر في الآية الأولى أن الذي أصابهم كان من عند أنفسهم، وذكر هذه الآية وجهاً آخرَ، وهو أن يتميز المؤمنُ عن المنافقِ، والمراد بالجمعينِ هو جمعُ المؤمنينَ، وجمعُ المشركينَ في يوم أحُدٍ.
واختلفوا في المراد بقوله:{وَأَذَانٌ مِّنَ الله}[التوبة: ٣] وقوله: {آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ}[فصلت: ٤٧] وقوله: {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ الله وَرَسُولِهِ}[البقرة: ٢٧٩] وطعن الواحدي في هذا بأن الآية إنما هي لتسلية المؤمنين مما أصابهم، ولا تحصل التسلية إذا كان ذلك واقعاً بعِلة؛ لأن علمه عام في جميع المعلومات.
وقيل: فبأمر الله؛ لقوله:{ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ}[آل عمران: ١٥٢] والمعنى: أنه - تعالى - لما أمر بالمحاربة، ثم أدت تلك المحاربة إلى ذلك الانهزام صح - على سبيل المجاز - أن يقال: حصل ذلك بأمره.
ونُقِل - عن ابن عباسٍ - أن المرادَ من الإذن قضاءُ الله بذلك وحكمه به.
وهذا أولى؛ لأن الآية تسلية للمؤمنين مما أصابهم، وبهذا تحصل التسلية.
قوله:{وَلِيَعْلَمَ المؤمنين} في هذه اللام قولان:
أحدهما: أنها معطوفة على معنى قوله: {فَبِإِذْنِ الله} عطف سبب على سبب، فتتعلق بما تتعلق به الباء.
الثاني: أنها متعلقة بمحذوف، أي: وليعلم فعل ذلك - أي: أصابكم - والأول أولى - وقد تقدم أن معنى: وليعلم الله كذا: أي يُبَيِّن، أو يظهر للناس ما كان في علمه، وزعم بعضهم أن ثَمَّ مضافاً، أي: ليعلم إيمان المؤمنين، ونفاق المنافقين، ولا حاجة إليه.
قوله:{وَلْيَعْلَمَ الذين نَافَقُواْ} قال الواحدي: «يقال: نَافَقَ الرَّجُلُ - فهو منافقٌ - إذا أظهر كلمة الإيمان، وأضمَر خلافَها، والنفاق اسم إسلامي، اختلِف في اشتقاقه على وجوهٍ: