أحدها: قال أبو عبيد: من نافقاء اليربوع؛ لأن حجر اليربوع لها بابان: القاصعاء، والنافقاء، فإذا طلب من أيهما خرج من الآخر، فقيل للمنافق: إنه منافق لأنه وضع لنفسه طريقين: إظهار الإسلام، وإضمار الكُفْرِ، فمن أيهما طُلِب خرج من الآخر.
الثاني: قال ابنُ الأنباري: المنافق من النَّفَق، وهو السربُ، ومعناه: أنه يتستّر بالإسْلامِ كما يتستَّر الرجُلُ في السِّرْبِ.
الثالث: أنه مأخوذٌ من النافقاء، ولكن على غير الوجه الذي ذكره أبو عبيدٍ، وهو أن النافقاء جثحْر يحفره اليربوعُ في داخل الأرضِ، ثم إنه يُرقِّق ما فوقَ الجُحر، حتى إذا رابه رَيْبٌ، رفع التراب برأسه وخرج، فقيل للمنافق: منافق؛ لأنه أضمر الكُفْرَ في باطنه، فإذا فتشته رمى عنه ذلك الكفر، وتمسَّك بالإسلام» .
قوله: {وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ} هذه الجملة تحتمل وجهين:
الأول: أنْ تكونَ استئنافية، أخبر الله أنهم مأمورونَ إما بالقتال، وإما بالدَّفْع، أي: تكثير سواد المسلمين.
الثاني: أن تكون معطوفة على «نافقوا» فتكون داخلة في صلة الموصول، أي: ليعلم الذين حصل منهم النفاقُ والقول بكذا و «تعالوا» و «قاتلوا» كلاهما قام مقام الفاعل ل «قيل» لأنه هو المقول. قال أبو البقاء: إنما لم يأتي بحرف العطف - يعني بين «تعالوا» و «قاتلوا» - لأنه أراد أن يجعل كل واحدةٍ من الجملتين مقصودة بنفسها، ويجوز أن يقال: إن المقصودَ هو الأمر بالقتال، و «تعالوا» ذكر ما لو سكت عنه لكان في الكلام دليل عليه.
وقيل: الأمر الثاني حال.
يعني بقوله: «تعالوا» ذكر ما لو سكت، أن المقصود إنما أمرهم بالقتال، لا مجيئهم وحده، وجعله «قاتلوا» حالاً من «تعالوا» فاسد؛ لأن الجملة الحالية يُشْتَرط أن تكونَ خبرية، وهذه طلبية.
قوله: «أو ادفعوا» «أو» - هنا - على بابها من التخيير والإباحة.
وقيل: بمعنى الواو؛ لأنه طلب منهم القتال والدفع، والأول أصح.
فصل
اختلفوا في القائل، فقال الصمُّ: إنه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان يَدْعُوهُمْ إلى القتال.
وقيل: إن عبد الله بن أبيّ ابن أبي سلول لما خرج بعسكره إلى أحُد قال: لم نُلْقي أنفسَنا في القتل؟ فرجعوا، وكانوا ثلاثمائةٍ من جملة الألف الذي خرجوا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال لهم عبد الله بن عمرو بن حرام - أبو جابر بن عبد الله الأنصاريّ -: أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عند حضور العَدَوِّ.