ومعنى الآية: حتى يميز المنافق من المخلصِ، وقد ميَّزهم يَوْمَ أحُدٍ؛ حيث أظهروا النفاق، وتخلَّفوا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
فإن قيل: إنَّ التمييزَ إنْ ظَهَرَ وانكشفَ، فقد ظهر كُفْرُ المنافقينَ، وظهور كُفْرِهم ينفي كونهم منافقين، وإن لم يحصل الوَعْدُ.
فالجوابُ: أنه ظهر بحيث يُفيد الامتيازَ القَطْعِيّ.
قال قتادة: حتّى يميز المؤمن من الكافر بالهجرة والجهادِ.
قال الضَّحَّاك:«مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أنْتُمْ عَلَيْهِ» في أصلاب الرَِّجَالِ، وأرحام النِّساءِ، يا معشرَ المنافقينَ، حتّى يفرق بينكم وبين مَنْ في أصْلابكم، وأرحام نسائكم من المؤمنينَ.
وقيل:«حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ
وهو الذنب» مِنَ الطَّيِّبِ «وهو المؤمنُ، يعني يَحُطُّ الأوزار عن المؤمنين بما يُصيبهم من نكبةٍ ومحنةٍ ومصيبةٍ.
وقيل: الخبيث: هو الكُفْر: أذلَّه الله وأخْمَدَه، وأعلى الإسلامَ وأظهره، فهذا هو التمييزُ.
قوله:{وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الغيب} ومعناه: أنه لا يجوز أن يطلعكم على أصل ذلك التمييزِ، فيقول: إنَّ فلاناً منافق، وإن فلاناً مؤمنٌ؛ فإن سنَّة اللهِ جارية بأنه لا يُطْلِع عوامَّ الناس على غَيْبه، ولا سبيلَ لَكُمْ إلى معرفة ذَلِكَ الامتيازِ إلا بالامتحاناتِ ووقوع المِحَن والآفاتِ - كما ذكرنا - وأما معرفة ذلك على سبيل الاطلاعِ على الغيب، فذلك من خواصِّ الأنبياء، فلهذا قال:{وَلَكِنَّ الله يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ} فيخصهم بإعلام أن هذا مؤمن، وهذا منافق، نظيره قوله تعالى:{عَالِمُ الغيب فَلَا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً إِلَاّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً}[الجن: ٢٦، ٢٧] .
ويحتمل أن يكون المعنى: وما كان اللهُ ليجعَلَكم كلَّكم عالمينَ بالغيب كعلم الرسول، فتنشغلوا عن الرسول، بل اللهُ يخص من يشاءُ من عبادِهِ، ثم يُكَلِّف الباقينَ طاعة هذا الرسولِ.
قوله:» وَلكِنَّ «هذا استدراكٌ من معنى الكلامِ المتقدمِ؛ لأنه تعالى - لما قال: {وَمَا