للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

معنييه جميعاً، وإذا كانَ كذلك جاز أن يكون المنفي بقوله: {يَوْمَ لَا يُخْزِى الله النبي والذين آمَنُواْ مَعَهُ} [التحريم: ٨] غير المثبت في قوله: {إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} وعلى هذا يسقط الاستدلالُ، إلا أنّ هذا الجوابَ إنما يتمشى إذا كان لفظُ الإخزاء مشتركاً بين هذين المفهومين، أما إذا كان لفظاً متواطئاً، مفيداً لمعنًى واحدٍ وكان المعنيان اللذان ذكرهما الواحديُّ نوعين تحت جنس واحدٍ، سقط هذا الجوابُ؛ لأن قوله: {يَوْمَ لَا يُخْزِى الله النبي والذين آمَنُواْ مَعَهُ} [التحريم: ٨] لنفي الجنس، وقوله: «فقد أخزيته» لإثبات النوع، وحينئذ تحصل المنافاةُ بينهما «.

قال القرطبيُّ:» وقال أهل المعاني: الخِزي أن يكون بمعنى الحياء، يقال: خَزِيَ يَخْزَى خزايةً إذا استحيا، فهو خَزْيان.

قال ذو الرمة: [البسيط]

١٧١٤ - خَزَايَةً أدْرَكَتْهُ عِنْدَ جُرْأتِهِ ... مِنْ جَانِبِ الحَبْلِ مَخْلُوطاً بِهَا الْغَضَبُ

فخِزْي المؤمنينَ - يومئذٍ - استحياؤهم في دخول النَارِ من سائرِ أهلِ الأدْيَانِ إلى أن يخرجوا مِنْهَا، والخِزْي للكافرين هو إهلاكهم فيها من غير موتٍ، والمؤمنون يموتون، فافترقوا، كذا ثبت في صحيح السنة، من حديث أبي سعيدٍ الخُدْريِّ، أخرجه مسلمٌ «.

فصل

احتجت المرجئة بهذه الآيةِ في القطعِ بأنَّ صاحبَ الكبيرةِ لا يُخْزَى، وكل مَنْ دخل النَّار فإنه يُخْزَى، فيلزم القطع بأنَّ صاحبَ الكبيرةِ لا يدخل النارَ، وإنما قُلْنا: صاحبُ الكبيرةِ لا يُخْزَى؛ لأن صاحبَ الكبيرةِ مؤمنٌ، والمؤمنُ لا يُخْزَى، وإنما قلنا: إنه مؤمنٌ؛ لقوله تعالى: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الأخرى فَقَاتِلُواْ التي تَبْغِي حتى تفياء إلى أَمْرِ الله} [الحجرات: ٩] سمي الباغي - حال كونِهِ باغياً - مؤمناً، والبغي من الكبائر بالإجماع، وأيضاً قال تعالى: {ياأيها الذين آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القصاص فِي القتلى} [البقرة: ١٧٨] سمى القاتلَ - بالعَمْد العدوان - مؤمناً، فثبت أنَّ صاحبَ الكبيرةِ مؤمنٌ، وإنما قلنا: إن المؤمن لا يُخْزَى؛ لقوله تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِى الله النبي والذين آمَنُواْ مَعَهُ} [التحريم: ٨] ولقوله:

{وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة} [آل عمران: ١٩٤] ، ثم قال: {فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ} [آل عمران: ١٩٥] وهذه الاستجابة تدل على أنه - تعالى - لا يخزي المؤمنين، فثبت أن صاحبَ الكبيرِ لا يُخْزَى وكل مَنْ دخل النار فإنه يُخْزَى؛ لقوله تعالى: {إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النار فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} فثبت - بهاتين المقدمتين - أن صاحب الكبيرة لا يدخل النار.

والجوابُ: ما تقدم من أن قوله: {يَوْمَ لَا يُخْزِى الله النبي والذين آمَنُواْ مَعَهُ} [التحريم: ٨] إنما يدل على نَفْي الإخزاء مع النَّبِيّ، وذلك لا ينافي حصول الإخزاء في وقتٍ آخرَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>