للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عموم هذه الآية مخصوصٌ في مواضع، منها قوله تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَاّ وَارِدُهَا} [مريم: ٧١] ثم قال: {ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا} [مريم: ٧٢] وأهل الثَّوابِ مصونونَ عن الحِزْي.

ومنها: أنَّ الملائكةَ - الذين هم خَزَنَة جَهَنَّم يكونون في النَّارِ، وهُمْ - أيضاً - مصونونَ عَنِ الخزي، قال تعالى: {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَاّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: ٦] .

قوله: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} «مِنْ» زائدة، لوجودِ الشَّرْطَيْنِ، وفي مجرورها وجهانِ:

أحدهما: أنه مبتدأ، وخبره في الجارّ قبله، وتقديمه - هنا - جائزٌ لا واجبٌ؛ لأنَّ النفي مسوَّغٌ وحَسَّن تقديمه كونُ مبتدئه فاصلةً.

الثاني: أنه فاعل بالجارِّ قبله، لاعتماده على النفي، وهذا جائزٌ عند الجميعِ.

فصل

تمسَّك المعتزلةُ بهذه الآيةِ في نَفْي الشفاعةِ للفسَّاق؛ وذلك لأن الشفاعة، نوع نُصْرَةٍ، ونَفْي الجنس يقتضي نَفْيَ النَّوعِ، والجوابُ من وجوهٍ:

أحدها: أن القرآنَ دلَّ على أنّ الظالمينَ - بالإطلاقِ - هم الكفَّارُ، قال تعالى: {والكافرون هُمُ الظالمون} [البقرة: ٢٥٤] ويؤكّده ما حكى عن الكفار من نفيهم الشفعاء والأنصار في قولهم: {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: ١٠٠ - ١٠١] .

ثانيها: أنَّ الشفيع لا يمكنه أن يشفع إلا بإذن اللهِ تَعَالَى، قال تعالى: {مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَاّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٥٥] وإذا كان كذلك لم يكن الشفيعُ قادراً على النُّصرَةِ إلا بعد الإذن، وإذا حصل الإذن ففي الحقيقة إنما ظهر العفو من اللهِ تَعَالَى، فقوله: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} يُفيد أنه لا حكمَ إلا لله، كما قال: {أَلَا لَهُ الحكم} [الأنعام: ٦٢] وقال: {والأمر يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: ١٩] .

فإن قيل: فعلى هذا التقديرِ لا يبقى لتخصيص الظالمينَ - بهذا الحكمِ - فائدةٌ.

فالجوابُ: بل فيه فائدةٌ، لأنه وعد المؤمنينَ المتقينَ في الدُّنْيَا بالفوزِ بالثَّوابِ، والنجاةِ من العقابِ، فلهم يومَ القيامةِ هذه المنزلةُ، وأما الفُسَّاقُ فليس لهم ذلك، فصَحَّ تخصيصهم بنَفْي الأنصارِ على الإطلاقِ.

ثالثها: أن هذه الآيةَ عامةٌ، والأحاديثُ الواردةُ بثبوتِ الشفاعةِ خاصةٌ، والخاصُّ مقَدَّم على العامّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>