خامسها: أن يكون {مِّن ذَكَرٍ} صفة ثانية لِ «عامل» قصد بها التوضيح، فيتعلق بمحذوف كالتي قبلها.
قوله: {بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} مبتدأٌ وخبرٌ، وفيه ثلاثةُ أوجهٍ:
الأولُ: أنَّ هذه الجملةَ استئنافيةٌ، جيء بها لتبيين شركة النساء مع الرجالِ في الثَّواب الذي وَعَدَ الله به عباده العاملين؛ لأنه روي في سبب النزولِ، أنَّ أمَّ سلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت: يَا رَسُولَ اللهِ إني لأسْمَع الله يذكر الرِّجَالَ في الهجرة، ولا يذكر النَِّسَاءَ، فنزلت الآية.
والمعنى: كما أنكم من أصلٍ واحدٍ، وأن بعضكم مأخوذٌ من بعضٍ، كذلك أنتم في ثواب العملِ، لا يُثابُ عامل دون امرأةٍ عاملةٍ. وعبَّر الزمخشريُّ عن هذا بأنها جملة معترضة، قال: «وهذه جملةٌ معترضةٌ ثبت بها شركة النساءِ مع الرّجال فيما وعد اللهُ عباده العاملينَ» .
ويعني بالاعتراض أنها جيء بها بين قوله: {عَمَلَ عَامِلٍ} وبين ما فُصِّل به عملُ العاملِ من قوله: {فالذين هَاجَرُواْ} ولذا قال الزمخشريُّ: {فالذين هَاجَرُواْ} تفصيل لعمل العاملِ منهم على سبيل التعظيمِ لَهُ.
الثاني: أنَّ هذه الجملَة صِفَةٌ.
الثالث: أنَّها حالٌ، ذكرهما أبو البقاءِ، ولم يُعيِّن الموصوف ولا ذا الحال، وفيه نظرٌ.
قال الكلبي: «بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ» في الدين والنصرة والموالاة.
وقيل: كلكم من آدم وحوَّاء، وقال الضّحّاك: [رجالكم] شكب نسائكم، ونساؤكم شكل رجالِكم في الطاعات؛ لقوله: {والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} [التوبة: ٧١] .
وقيل: «مِنْ» بمعنى اللامِ، أي: بعضكم لبعض ومثل بعض في الثّواب على الطاعة والعقاب على المعصية.
قال القفَّالُ: هذا من قولكم: فرن مني، أي: عَلَى خلقي وسيرتي. قال تعالى: {فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي} [البقرة: ٢٤٩] وقال عليه السَّلامُ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» فقوله: {بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} أي: بعضكم شبه بعض في استحقاق الثوابِ على الطَّاعة والعقاب على المعصية.
فصل
ليس المرادُ أنه لا يُضِيع نفس العمل؛ لأن العملَ - كما وجد - تلاشى وفني، بل المرادُ أنه لا يُضِيع ثوابَ العملِ، والإضاعة: عبارة عن تَرْكِ الإثابةِ، «لَا أضِيعُ» نفي للنفي، فيكون إثباتاً، فيصير المعنى: إني أوَصِّل ثوابَ أعمالِكم إليكم، وإذا ثبت