فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً وفي قوله:» وَالَّذي يَخُصُّ هذا المَوْضِع «فيه نَظَرٌ، فَإنَّهُ كما يجوزُ أن يكونَ {فِي بُطُونِهِمْ} حالاً من» نَار «هنا يجوزُ أن يكون حالاً من» النَّار «في البقرة، وفي [إبداء] الفرقِ عُسْرٌ، ولم يظهر [منع أبي عليٍّ كَوْنَ {فِي بُطُونِهِمْ} ظرفاًَ للأكْلِ وجه ظاهر فإن قيل: الأكل لا يكون إلا] في البَطْنِ فما فائدةُ قوله: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً} ؟ .
فالجوابُ أنَّ المرادَ به التَّأكِيدُ والمبالغةُ كقوله:{يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم}[آل عمران: ١٦٧] والقول لا يكون إلا بالفم، وقوله:{ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور}[الحج: ٤٦] والقلبُ لا يكونُ إلَاّ في الصَّدْرِ، وقوله:{وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ}[الأنعام: ٣٨] والطّيرانُ لا يكون إلَاّ بالنَّجَاحِ.
فصل في جواز الأكل من مال اليتيم
هذه الآيةُ توكيدٌ للوعيدِ المُتَقَدِّمِ لأكل مال اليتيم، وخَصَّ الأكل بالظلم، فأخرج الأكل بغير الظُّلْمِ مثل أكْلِ الوليّ بالمعروف من مال اليتيم، وإلَاّ لم يكن لهذا التَّخصيص فائدة.
فصل في حرمة جميع الإتلافات لمال اليتيم
ذكر تعالى الأكل إلا أنَّ المراد منه كُلّ أنواع الإتلافات فإنَّ ضرر اليتيم لا يختلفُ بأن يكون إتلاف مال بالأكْلِ، أو بطريقٍ آخَرَ، وإنَّمَا ذكر الأكْلَ، وأراد به كُلَّ التَّصرفات المُتْلِفَةِ لِوُجُوهٍ:
أحدها: أنَّ عامَّة أموال اليَتَامَى في ذلك الوقت هو الأنعام الَّتي يؤكل لحومها ويَشْرَبُ ألبانها فخرجَ الكَلَامُ على عاداتهم.
وثانيها: أنَّهُ جَرَتِ العَادَةُ فيمن أنْفَقَ مَالَهُ في وجوه مراداته خيراً كانت أو شراً أنَّهُ يقال: إنَّهُ أكل ماله.
وثالثها: أنَّ الأكل هو المعظم فما يبتغي من التَّصرفات.
قوله:{وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} ، قرأ الجمهور بفتح الياء واللام، وابن عامر وأبو بكرٍ بضمِّ اليَاءِ مَبْنِيّاً من الثُّلَاثِيِّ، ويَحْتمل أنْ يكون من أصليٍّ فَلَمَّا بُنِيَ للمفعول قَامَ الأوَّلُ مقام الفَاعِلِ، وابن أبي عبلة بضمهما مبنياً للفاعل الرُّبَاعي، والأصل على