والثَّاني: أنَّهُ منصوب على الاشتغال، ومَنَعَهُمْ ذلك بأنَّه يَلْزَمُ أن يعمل فيه ما قبله جوابه أنَّا نُقَدِّرُ الفعلَ لا قَبْلَهُ، وهذا خلافٌ مشهور في أسماءِ الشَّرْطِ والاستفهام، هل يَجْرِي فيها الاشتغال أم لا؟ .
فمنعه قَوْمٌ لِمَا تقدم وأجازه آخرون مقدَِّرين الفعل بعد الشَّرْطِ والاستفهامِ. وكونُهُ منصوباً على الاشتغال هو ظاهر كلام مكِّيٍّ، فإنَّهُ ذكر ذلك في قوله:{واللذان يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا}[النساء: ١٦] فالآيتانُ من وادٍ واحد ولا بُدَّ من إيراد نَصِّه لِيتَّضِحَ لك قوله؛ قال - رَحِمَهُ اللَّهُ -: {واللذان يَأْتِيَانِهَا}[النساء: ١٦] الاختيار عند سيبويه في «اللذان» الرفع، وإن كان معنى الكلام الأمْرَ؛ لأنَّه لمَّا وَصَلَ بالفعلِ تمكَّنَ معنى الشَّرط فيه، إذْ لا يقع على شيء بعينه، فلمَّا تمكَّنَ معنى الشَّرط والإبهام جرى مَجْرَى الشَّرطِ في كونه لم يَعْمل فيه مَا قَبْلَهُ، كما لا يعمل في الشَّرط ما قبله من مُضْمَر أو مظهر، ثم قال:«والنَّصْبُ جائِزٌ على إضمار فعلٍ مدلولٍ عليه كما تَقَدَّمَ نقله عن بعضهم، لأنه لم يكُنْ لتعليله بقوله:» لأنه إنما أشبه الشرط إلى آخره «فائدة، إذ النصبُ كذلك لا يحتاج إلى هذا الاعتذار.
فصل
قال القرطبيُّ: الفاحشة في هذا الموضع الزنا، فالمرادُ بالفاحشة: الفعلة القبيحة وهي مصدر كالعَاقِبَةِ والعَافِيَةِ، وقرأ ابن مسعود» بالفاحشة «بباء الجرِّ وقوله:» من نسائكم «في محلِّ النصب على الحال من الفاعل في» يأتين «، فهو يتعلق بمحذوفٍ أي: ياتين كائناتٍ من نسائكم.
وأما قوله:» منكم «ففيه وجهان:
أحدهما: أن يتعلَّق بقوله:» فاستشهدوا «.
والثاني: أن يَتَعَلَّق بمحذوفٍ على أنَّهُ صفة ل» أربعة «فيكون في محل نصبٍ تقديره: فاستشهدوا عليهنَّ أربعةً كائنة منكم.
فصل
معنى يأتين الفاحشة أي يفعلنها يقال: أتيت أمراً قبيحاً، أي: فعلته قال تعالى: {لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً}[مريم: ٢٧] وقوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً}[مريم: ٨٩]