قال أهل اللُّغَةِ هي مصدر كالعاقبة والعافية، ويُقَالُ: فحش الرَّجُلُ بمعنى تفحش فحشاً وفاحشة وأفحش إذا جَاءَ بالقبيح من القول والفعل، وأجمعوا على أنَّ المراد بالفاحشة هنا الزّنا، وإنَّما تطلق الفاحشةُ على الزِّنت لزيادتها في القُبْحِ على كثير من القَبَائِحِ.
فإن قيل: الكفرُ أقْبَحُ منه، وقتل النفس أقبح منه، ولا يسمَّى ذلك فاحشة؟
فالجوابُ من وجهين:
الأوَّلُ: أنَّ الكفرَ لا يستحقه الكافر من نفسه ولا يعتقده قبحاً، بل يعتقده صواباً، وكذلك المقبل على الشجاعة يُقْدِمُ عليها من يراها حسنةً وأمَّا الزِّنَا ففاعله يعلمُ قُبْحَهُ [ويُقْدِمُ عَلَيْهِ] وَيُوَافِق على فحشه.
الثاني: قال ابن الخطيب إنَّ القُوَى المدَبرة لقوى الإنسان ثلاثة القُوَى النّاطقة، والقوَّةُ الغضبية، والقوّة الشَّهوانيةُ وفساد القوَّة النَّاطقة هو الكفر والبدعة وما يشبههما، وفساد القوَّة الغضبية هو القتل وما يشبهه وأخس هذه القوى الثلاثة القوة الشَّهوانية فلا جَرَمَ كَانَ فَسَادُهَا أخس أنواع الفساد، فلهذا السبب خُصَّ هذا العمل بالفاحشةِ.
فصل في شهود الزنا
قوله:{فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ} أي: من المسلمين فجعل الله الشهادةَ على الزنا خاصة بأربعة تغليظاً على المدَّعي وستراً على العباد.
وقال القرطبيُّ: وتعديل الشهود بأربعة في الزّنا حكم ثابت في التّوراة والإنجيل والقرآن؛ قال الله تعالى:{والذين يَرْمُونَ المحصنات ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فاجلدوهم}[النور: ٤] وقال هنا: {فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ} وروى أبو داود عن جابر بن عبد الله: جاءت اليهودُ برجُلٍ وامرأةٍ زنيا، فقال عليه السَّلام: «ائْتُونِي بأعْلَمَ رَجُلَيْنِ مِنْكُم» ، فَأتَوْهُ يابْنَي صُورِيَا فَنَشَدهُمَا: كَيْفَ تَجِدَانِ أمْرَ هَذَيْنِ في التَّوْرَاةِ؟ قَالا «نَجِدُ في التَّوراةِ إذَا شَهِدَ أرْبَعةٌ أنَّهمُ رأوا ذكَرَهُ في فَرْجِهَا مَثْلَ الْميلِ فِي المُكْحلةِ رُجِمَا قَال: فما يَمْنَعُكُمَا أن تَرْجُمُوهُمَا؟ قَالَا: ذَهَبَ سُلْطَانُنَا فَكَرِهْنَا الْقَتْلَ؛ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الشُّهُودَ فَشَهشدوُا أنَّهُم رَأوا أنَّهُم رَأوا ذَكَرَهُ فقِي فَرْجِهَا مِثْلَ الْميلِ فِي المُكْحلةِ فَأمَرَ رَسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بِرَجْمِهِمَا» .