وقيل: بل كان للإيذاء أولاً ثمَّ نسخ بالإمساك، ولَكِنَّ التلاوة أخرت.
وقال ابن فورك: هذا الإمساك والحبس في البيوت كأنَّ في صدر الإسلام قبل ان يكثر الجناة. فلما كثروا وخشي قوتهم اتخذوا لهم سجناً، قال ابن العربي فإن قيل: التوفي والموت بمعنى واحد، فيصير التَّقدير: أو يميتهن الموت.
فالجوابُ، يجوز أن يريد يتوفاهن ملائكة الموت بقوله: {الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة ظَالِمِي} [النحل: ٢٨] أو حتّى يأخذن الموت.
فإن قيل: إنكُمْ تفسِّرون قوله تعالى: {أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً} الثَّيِّبُ تُرْجَمُ والْبِكْرُ تجلد، وهذا بعيد؛ لأنَّ هذا السبيل عليها لا لها، فإنَّ الرَّجم أغلظ من الحبس.
فالجوابُ: أنَّ النَّبي - عليه السَّلام - فَسَرَ السّبيل بذلك في قوله: «خذوا عني خذوا عني قَد جعل اللهُ لهن سبيلاً، الثَّيِّبُ بالثَّيب جلد مائةٍ ورجم بالحجارة، والبكرُ بالبكر جلد مائة وتغريب عام» فلما فَسَّرَ الرسول عليه السًّلام السبيل بذلك وجب القطع بِصِحَّته.
وأيضاً فله وجه في اللُّغة، لأنَّ المخلص من الشَّيء هو سبيله، سواء كان أخفّ أو أثقل.
قوله: «حتى يتوفاهن الموت» «حَتَّى» بمعنى «إلَى» فالفعل بعدها منصوب بإضمار «أن» وهي متعلقة بقوله «فأمسكوهن» غاية له.
وقوله: {أَوْ يَجْعَلَ الله} فيه وجهان:
أحدهما: أن تكون «أوْ» عاطفة، فيكون الدعل غايةً لإمساكهن أيضاً، فينتصبُ «يجعل» بالعطف على {يَتَوَفَّاهُنَّ} .
والثَّاني: أن تكون «أو» بمعنى «إلَاّ» كالَّتِي في قولهم: «لأزمنك أو تقضيني حقي» على أحد المعنيين، والفعل بعدها منصوب أيضاً بإضمار «أنْ» كقوله: [الطويل]
١٧٧٠ - فَسِرْ في بِلَادِ اللهِ وَالْتَمِسِ الْغِنى ... تَعِشْ ذَا يَسَارٍ أوْ تَمُوتَ فَتُعْذَرَا
أي: إلا أن تموت، والفرق بين هذا الوجه والّذي قبله أنَّ الجَعْلَ ليس غاية لإمساكهنَّ في البيوت.
قوله: {لَهُنَّ} فيه وجهان:
أظهرهما: أنَّهُ مُتَعِلُّقٌ ب {يَجْعَلَ} .