الإشكال الأوَّلُ: أن من عمل ذنباً ولم يعلم أنَّهُ ذنب لم يستحق عقاباً؛ لأنَّ الخطأ مرفوع عن الأمَّةِ، فعلى هذا الَّذين يعملون السُّوء بجهالة لا حاجة بهم إلى التَّوبة.
الإشكال الثَّاني: أن كلمة «إنَّمَا» للحصر، فظاهره يقتضي أن مَنْ أقدم على السوء مع العلم بكونه سوءاً لا يقبل توبته، وذلك باطل بالإجماع.
فالجواب عن الأوَّلِ أنَّ اليهوديَّ اختار اليهوديَّة وهو لا يعلم كونها ذنباً مع أنَّهُ يستحقُّ العقاب عليها.
والجوابُ عن الثَّاني: أنَّ من أتى معصية مع الجهل بكونها معصية يكون حاله أخَفُّ ممَّنْ أتى بها مع العلم بكونها معصية، فلا جرم خَصَّ الأوَّل بوجوب قبول التّوبة وجوباً على سبيل الوعد والكرم، وأمَّا القسم الثَّاني فلمّا كان ذنبهم أغلظ لا جرم لم يذكر فيهم هذا التّأكيد في قبول التّوبة فتكون هذه الآية دالّة من هذا الوجه على أن قبول التّوبة غير واجب على اللهِ تعالى.
ومعنى الآية يحتمل وجهين:
الأوَّلُ: أن قوله: {عَلَى الله} إعلام، فَإنَّهُ يجب على الله قبولها لزوم الكرم والفضل والإحسان وإخبار بأنَّه سيفعل ذلك.
والثَّاني: إنَّما الهداية إلى التَّوْبَةِ والإعانة عليها على اللهِ في حقِّ من أتى بالذَّنب على سبيل الجهالة، ثمَّ تاب قريباً، وترك الإصرار، وأتى بالاستغفار.
فصل
قال الحسن: معنى الآية: التّوبة التي يقبلها اللهُ، فيكون «على» بمعنى عند، وقيل: من الله {لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السواء بِجَهَالَةٍ} .
قال قتادةُ: أجمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنَّ ما عُصِيَ الله به فهو جهالة عمداً كان أو لم يكن، ولك من عصى الله فهو جاهل.
قال تعالى إخباراً عن يوسف - عليه السلام -: {أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الجاهلين [فاستجاب لَهُ رَبُّهُ}[يوسف: ٣٣، ٣٤] .