للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقال: {هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ} [يوسف: ٨٩] وقال لنوح - عليه السلام -: {إني أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين} [هود: ٤٦]

وقال موسى لبني إسرائيل حين قالوا: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} [البقرة: ٦٧] {أَعُوذُ بالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجاهلين} [البقرة: ٦٧] والسّبب في إطلاق اسم الجاهل على العاصي؛ لأنَّهُ لو استعمل ما معه من العلم بالثواب والعقاب لما أقدم على المعصية، فصار كأنَّنه لا علم له.

وقال مجاهدٌ: المراد من الآية العمد.

وقيل: أن يأتي بالمعصية مع العلم بكونها معصية، إلَاّ أنه يكون جاهلاً بقدر عقابه.

وقيل: أن يأتي بالمعصية مع أنه لا يعلم كونها معصية إلَاّ أنَّهُ كان متمكناً من تحصيل العلم يكون اليهودية ذنباً ومعصية، وكفى ذلك في ثبوت استحقاق العذاب، ويخرج من هذا النَّائم والسّاهي، فإنَّه لو أتى بالقبيح لكنَّه [ما كان متمكناً] من العلم بكونه قبيحاً.

فصل

استدلَّ القاضي بهذه الآية على أنَّهُ يجب على اللهِ عقلاً قبول التَّوْبَةِ؛ لأنَّ كلمة «عَلَى» للوجوب؛ ولأنَّا لو حملنا قوله: {إِنَّمَا التوبة عَلَى الله} على مجرد القبول لم يبق بينه وبين قوله: {فأولئك يَتُوبُ الله عَلَيْهِمْ} فرق؛ لأن قوله هذا أيضاً إخبار عن الوقوع، [فإذا جعلنا الأوَّلَ إخباراً عن الوجوب، والثَّاني إخباراً عن الوقوع] ظهر الفرق بين الآيتين وزال التكرار.

والجوابُ أنَّ القول بالوجوب على الله تعالى باطلٌ لوجوه:

الأوَّلُ: أنَّ لازم الوجوب استحقاق الذّم عند الترك، فهذه الملازمة إمَّا ان تكون ممتنعة الثبوت في حقِّ اللهِ تعالى أو غير ممتنعة الثُّبُوتِ في حقِّه، والأوَّلُ باطلٌ، لأنَّ ترك الواجب لما كان مستلزماً هذا الذّم محال الثّبوت في حقِّ اللهِ تعالى وجب أن يكون ذلك الترك ممتنع الثبوت في حقِّ الله تعالى، وإذا كان الترك ممتنع الثبوت عقلاً كان الفعل واجب الثُّبوت، فحينئذ يكون الله تعالى موجباً بالذَّاتِ لا فاعلاً بالاختيار وذلك باطل، وإنْ كان استحقاق الذَّمِّ غير ممتنع الحصول في حقِّ اللهِ تعالى، فكلُّ ما كان ممكناً لا يلزم من فرضه محال، فيلزم أن يكون الإله مع كونه إلهاً يكون موصوفاً باستحقاق الذّم وذلك محال لا يقوله عاقل، فثبت أنَّ القول بالوجوب على اللهِ تعالى محال.

<<  <  ج: ص:  >  >>