للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وثانيها: أنَّ قادرية العبد بالنِّسبة إلى فعل التَّوْبَةِ وتركها إمَّا أن يكون على السَّويَّةِ، أوْ لا، فإن كان على السَّويَّةِ لم يترجح فعل التَّوبة على تركها إلا بمرجِّح، وذلك المرجح إن حدث لا عن محدث لزم نفي الصّانع، وإن حدث علىلا العبد عاد التّقسيم، وإن حدث عن الله تعالى فحينئذٍ إنَّما أقبل العبد على التَّوبة بمعونة الله وتقويته، فتكون تلك العقوبة إنْعَاماً مَنَ اللهِ تعالى على عبده، وإنعام المولى على عبده لا يوجب أنْ ينعم عليه مرة أخرى فثبت أنَّ صدور التّوبة عن العبد لا يوجب على الله القبول، وإن كانت قادرية العبد لا تصلح للترّك وللفعل، فيكون القول بالوجوب أظْهَرُ بطلاناً.

ثالثها: التّوبة عبارة عن النَّدم على ما مضى، والعزم على التّرك في المستقبل والنّدم والعزم من باب الكراهات والإرادات وهما لا يحصلان باختيار العبد وإلَاّ افتقر في تحصيلهما إلى إرادة أخرى ولزم التّسلسل، وإذا كان كذلك كان حصول هذا النّدم، وهذا العزم بمحض تخليق الله تعالى، وفعل الله لا يوجب على الله فعلاً آخر فكان القولُ بالوُجُوبِ باطِلاً.

ورابعها: أنَّ التوبة فعل يحصل باختيار العبد على قولهم، فلو صار ذلك علة للوجوب على اللهِ تعالى وفعل الله تعالى، لصار فعل العبد مؤثّراً في ذات الله تعالى وفي صفاته، وذلك لا يقولُهُ عاقل.

والجوابُ عن حجتهم: أنَّ الله تعالى وعد قبول التّوبة من المؤمنين، وإذا وعد اللهُ بشيء، وكان الخلفُ في وعده مُحالاً كان ذلك شبيهاً بالواجب، فبهذا التأويل صح إطلاق كلمة {عَلَى} وبهذا يظهر الفرق بين قوله {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ} وبين قوله {فأولئك يَتُوبُ الله عَلَيْهِم} .

فإن قيل: لما أخبر عن قبول التّوبة وكان ما أخبر الله تعالى وقوعه واجب الوقوع لزم منه ألَاّ يكون فاعلاً مختاراً.

فالجوابُ: أنَّ الإخبارِ عن الوقوع تبع للوقوع والوقوع تبع للإيقاع، والتبع لا يغير الأصل، فكان فاعلاً مختاراً في ذلك الإيقاع، وأمَّا قولكم بأن وقوع التَّوبة من حيثُ إنَّهَا هي مؤثرة في وجوب القبول على الله وذلك لا يقوله عاقل فظهر الفرق.

قوله: {ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فأولئك} فهذا هو الشّرطُ الثّاني.

قال السدي والكلبي: القريب أن يتوب في صحته قبل مرض موته.

وقال عكرمة: قبل الموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>