قال أبُو حَيَّان: وما اختاره يعني من التَّفْرِقَةِ بين القِرَاءَتَيْنِ غير مختار؛ لأنَّ النَّاصب لكتاب الله] جملة مؤكدّة لمضمون الجُمْلَة من قوله {حُرِّمَتْ} إلى آخره، وقوله {وَأُحِلَّ لَكُمْ} جملة تأسيسية، [فلا يناسب أنْ تعطف إلَاّ على تأسيسية مثلها لا على] جملة مؤكدة، والجملتان هنا متقابلتان إذْ إحْدَاهُمَا للتحريم، والأخرى للتحليل فالمناسب أن تعطف إحْدَاهُمَا على الأخرى لا على جملة أخرى غير الأولى، وقد فعل هو مثل ذلك في قراءة البناء للمفعول، فليكن هذا مثله.
قال شهاب الدِّينِ: وفي هذا الرد [لأنَّ تحليل ما سوى ذلك مؤكد لتحريمه معنى وما ذكره أمر استحساني رعاية لمناسبة ظاهره وقد تبع البيضاويُّ الزَّمَخْشَرِيَّ في التفرقة فتأمل.
قوله] «ما وراء ذلكم» مفعول به إما منصوب المحل أوْ مرفوع على حسب القراءتين في «أحل» .
فصل
ظاهر قوله {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُم} يقتضي حِلَّ كُلِّ من سوى الأصناف المذكورة إلا أنَّهُ دَلَّ الدَّلِيلُ على تحريم أصناف أخرى سوى [الأصناف] المذكورين، لقوله عليه السلام:«لا تُنْكَحُ المَرْأةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا» ، وزعم الخوارجُ أنَّ هذا خبر واحد، فلا يجوزُ أن يخصَّ به القرآن لوجوه:
أحَدُهَا: أنَّ عموم الكتاب مقطوع وخبر الواحد مظنون المتن، فَكَانَ أضعف فترجيحُهُ يقتضي تقديم الأضعف على الأقوى، وهو لا يجوز.
وثانيها: حديث معاذٍ حين قال عليه السَّلام: «بِمَ تَحْكُم؟ قال: بِكِتَابِ اللهِ قَالَ فَإنْ لَمْ تَجِدْ قَالَ بِسُنَّةِ رَسُول اللهِ» فقدَّمَ التَّمَسُّكَ بالكتاب على التَّمَسُّكِ بالسُّنَّةِ [وعلق جواز التمسك بالسُّنَّة على عدم الكتاب بكلمة «إن» والمتعلَّق على شرط عدم عند عدم الشِّرط.