هذا يقتضي إلَاّ يقبل خبر الواحد إلا عمد موافقة الكِتَابِ.
ورابعها: أنَّ قوله تعالى {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُم} مع قوله عليه السلام «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا» لا يخلو من ثَلاثَةِ أوجه: إمَّا أن تكون الآية نزلت بَعْدَ الخبر فتكون الآية ناسخة له؛ لأنَّ العام نسخَ القرآن بخبر الوَاحِدِ، وإنه لا يجوز وإمَّا أنْ يردا معاً، وهذا أيضاً بَاطِلٌ؛ لأنَّ [على] هذا التَّقْدِيرِ تكون الآية وَحْدَهَا غير مَبْنِيَِّةٍ، وتكونُ الحجَّةُ مجموع الآية والخبر. ولا يجوزُ للِرَّسُولِ أنْ يسعى في تشهير الشُّبْهَةِ، ولا يسعى في تشهير الحجَّة، فكان يجب عليه ألَاّ يسمع أحَدٌ هذه الآية إلاّ مع [هذا] الخبر، ويوجب على الأمَّةِ ألَاّ يبلغوا هذه الآية أحداً إلا مع هذا الخبر، ولو كان كذلك لزم أن يكون اشتهار هذا الخبر مساوياً لاشتهار هذه الآية، ولما لم يكن كذلك عُلِمَ فساد هَذَا القسم.
وخامسُهَا: أنَّ بتقدير صحَّةِ هذا الخبر قطعاً إلا أنْ التَّمسُّكَ بالآية راجحٌ عليه لوجهين:
الأوَّلُ: أنَّ قوله {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُم} نص صريح في التحليل كما أن قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} نص صريح في التحريم.
وأما قوله:«لا تُنْكَحُ المَرْأةُ عَلَى عَمَّتِهَا {وَلَا عَلَى خَالَتِهَا] » فليس نصاً صريحاً؛ لأنَّ ظاهره إخبار، وحمل الإخبار على النَّهي مجاز، وإن سلّمنا كونه نهياً فدلالة النَّهي على التحريم أضعف من دلالة لفظ [الإحْلَال] على معنى الإبَاحَةِ.
الثَّانِي: أنَّ الآية صريحة في تحليل كُلِّ ما سوى المذكورات والحديثُ ليس صريحاً في العموم بل احتماله للمعهود السَّابق أظهر.
وسادسها: أنَّهُ تعالى اسْتَقْصَى في هذه الآيةَ شرح أصْنَافِ المحرَّمات فعدَّ منها خَمْسَةَ عَشرَ صنفاً، ثُمَّ بعد هذا التّفصيل التَّام والاستقصاء الشّديد قال {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُم} فلو لم يَثْبُت الحلُّ في كُلِّ من سوى هذه الأصناف المذكورة، لكانَ هذا الاستقصاء عبثاً، ولغواً، وذلك لا يليق بالحكيم. والجوابُ من وُجُوهٍ:
الأول: قال الحَسَنُ وأبو بَكْرٍ الأصَم إنَّ قوله {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُم} لا يقتضي إثبات الحل على التأبيد؛ لأنَّهُ يصحُّ [تقسيم] هذا المفهوم إلى المؤبد، وإلى