والرِّبا] وعُقوقُ الوالدين، والقَتْلُ، وغيرهما ولقوله تعالى:{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر والفسوق والعصيان}[الحجرات: ٧] فالكبائِرُ هي الفُسُوقُ والصغائر هي العصيان حتى يصحّ العطف. احتجّ ابنُ عبَّاس ما إذا اعتبر المعاصي بالنِّسْبَةِ إلى جلال اللَّه تعالى، وعظمته كانت كبائر بالنِّسْبَةِ لِكثَةِ نعمه تعالى، فذلك لعدم تناهيها، فَكُلُّ ذنبٍ كبيرة.
والجوابُ كما أنَّهُ سبحانه وتعالى أجلُّ الموجودات، وأشرفهم، وهو أرحمُ الراحِمينَ، وأغنى الأغنياءِ عن الطَّاعات وذلك يوجبُ خفة الذنب ثم إنَّهَا وإن كان كبيرة فبعضها أكبر مِنْ بعض.
فصل
قال بعضهم: لتمييز الكبيرةِ عن الصَّغيرة بذاتها، وقيل: إنَّما تتميزُ بحسب [حال فاعليها] فالأولون لهم أقوال، أوَّلُهَا: قال ابْنُ عبَّاسٍ: كلُّ ما قرن بذكر الوعيد، فهو كبيرةٌ كالقَتْلِ، والقذف.
الثَّاني: عن ابْنِ مسعُودٍ: كلّ ما نهي عنه من أوَّلِ النِّسَاءِ إلى ثلاثة وثلاثين آية فهو كبيرة لقوله: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} .
الثالث: قتل كل عمد فهو كبيرةٌ على الأوَّل لأنَّ كل ذنٍ لا بُدّ أن يكون متعلّق الذَّم عاجلاً، والعقاب آجلاً وهذا يقتضي أنَّ كُلَّ ذنْبٍ كبيرة، وعلى الثَّانِي أنَّ الكبائِرَ مذكورة في سائر السور، فلا معنى لتخصيصها بهذه السُّورة، وعن الثَّالث إنْ أرادَ بالعَمْدِ أنَّهُ ليس بساهٍ فهذا هو الذي نهي عنه، فيكونُ كُل ذنب كبيرة، وإنْ أرَاد انه يَفْعَلُهُ مع العِلْمِ به، فإنَّهُ معصيةٌ فمعلومٌ أنَّ اليَهُودَ والنَّصَارَى يكفُرُونَ بمحمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ولا يعلمون أنه معصيةٌ، وذلك كفرٌ وكبيرةٌ، فبطلت هذه الوجوه الثلاثةُ.
وأما القولُ الثَّاني أنَّ الكبائر تمتزُ عن الصّغَائِرِ باعْتِبَارِ فاعلها، فهو قَوْلُ مَنْ يقولُ للطَّاعَةِ قدر من الثواب وللمعصية قدر من العقاب فالقِسْمَةُ العقْلِيَّةُ تقتضي أقْسَامَ التَّساوي والتعادل، ورُجْحَان الثَّوابِ، ورجحان العِقَابِ فالأوَّلُ ممكنٌ عقلاً إلا أن الدليل السمعي دلل على أنه لا يوجد لقوله تعالى:{فَرِيقٌ فِي الجنة وَفَرِيقٌ فِي السعير}[الشورى: ٧] ولو وجد ذلك لم يكن في الجنَّةِ، ولا في السَّعيرِ.
والثَّاني: ينحبط العقابُ بما يُساويه مِنَ الثَّوابِ، والمعصية هي الصَّغيرة تسمى الانحباط بالتَّكفير.