والثَّالثُ: ينحبطُ الثَّوابُ بما يساويه من العقاب، ويسمى الكبيرة، وسمي الانحبَاط بالإحباط، فَظَهَرَ الفرقُ بين الكبيرةِ والصغيرةِ، وهذا قول جمهور المُعتزِلَةِ، وهو مَبْنِيٌّ على أصولٍ باطلةٍ:
الأول: أنَّ الطَّاعةَ توجبُ ثواباً والمعصية توجب عقاباً، وهو بَاطِلٌ لما تقدَّم من أنَّ الفعل يتوقَّفُ على دَاعِيَةٍ مِن اللَّه تعالى، وذلك يَمْنَعُ الإيجاب.
ولأنَّ من اشْتَغَلَ بالعِبَادَةِ والتَّوحيدِ ثمانين سنة، ثم شَرِبَ قطرة خمر، فإنْ قالوا بالإحْبَاطِ خالف الضرورة والإجماع، وإن خالف وقالوا بترجيح الثَّوابِ نقضوا أصْلَهُم مِنَ التحسين والتقبيح العَقْلِيَّيْن فتبطل قواعدهم.
ولأنَّه سمى الله تعالى كبيرة لسابقه [على الطاعة] وموجبة لها [فأوَّلُ واجب] لا يستحقّ ثواباً، فيكون عِقَاب كُلّ معصية أن لا بد مِنْ ثَوَاب فاعلها، فتكون جميع المعاصي كبائر، وهو بَاطِلٌ، وقد تقدَّم القول بإبطال القَوْلِ بالإحْبَاط.
فصل
قال ابنُ الخطيبِ: الأكثرُونَ على أنَّ اللَّه تعالى لم يُميِّز الكبائِرَ، ولم يُعَيِّنْهَا، قالوا: لأنَّ تمييزها وتعيينها مع إخباره بأن اجتنابها يكفِّر الصَّغَائِرَ إغراء بالإقدام على الصغائر، وذلك قَبيحٌ لا يليقُ بالحكمة، أمَّا إذَا لم يميِّزْهَا، كتحرير كَوْنِ المعْصيَةِ كبيرة زاجراً غن الإقدام عليها كإخفاء ليلة القدر وساعة الجمعة والصلاة الوسطى ووقت الموت مع تجوز تعيين بعض الكبائر كما ورد في الحديث والآيات كما ذكر عن ابن عباس أنها سَبْعَةٌ فقال هي إلى السّبعمائة أقرب.
فصل
احتج الكعبيُّ بهذه الآية على القَطْعِ بوعيد أصْحَابِ الكبائرِ قال: لأنَّهُ تعالى بَيَّن أنَّ من اجتنب الكبَائِرَ يكفر عنه سيئاته، فَدَلَّ على أنَّ مَنْ لَمْ يَجْتنبها لم تكفَّرْ عَنْهُ، ولو جَازَ أنْ يغفرَ الكبائِرَ، والصَّغائِرَ، لم يَصِحَّ هذا الكلامُ.
والجوابُ مِنْ وُجُوهٍ:
الأوَّلُ: إنكم إما أن تستدلوا بأن تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي الحكم عما عداه، فذلك باطل عِندْ المُعتزِلَةِ، وعِنْدَنَا دلالتُهُ ظَنيَّةٌ ضعيفةٌ.