للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الأزْوَاجِ، وما حَالُ المرأةِ عِنْدَ غَيْبَةِ الزَّوْجِ فقد وصفها اللهُ بقوله: {قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ} ، واعْلَمْ أنَّ الغيب، خلاف الشَّهَادَةِ، والمعنى: كَوْنُهنَّ حافِظَاتٌ بموجب الغَيْب، وهو أنْ تَحْفَظَ نَفْسَهَا عن الزِّنَا؛ لئلا يلحق الزَِّوْج الغَائب عار الزِّنَا، ويلحق به الوَلَد المتكون من نُطْفَةِ غيرِهِ، وتحفظ ماله لئلا يضيع، وتحفظ مَنْزِلَهُ عَمَّا لا يَنْبَغِي، قال عليه السَّلامُ: «خَيْرُ النِّسَاءِ امرأةٌ إن نَظَرَتْ إلَيْهَا سَرَّتْكَ، وَإنْ أمرتها أطاعَتْكَ، وإنْ غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ في مَالِكَ ونفسها» وتلا هذه الآية.

قوله: {واللاتي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} لما ذكر الصالحات ذكر بعده غير الصّالحات فقال: «واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهنّ» والخَوْفُ عِبَارَةٌ عَن حَالَةٍ تَحْصُلُ في القَلْبِ، عند حُدُوثِ أمر مَكْرُوهٍ في المُسْتَقْبل.

قال الشَّافِعيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: دَلالَةُ النُّشوُزِ قَدْ تكُونُ قَوْلاً، وقد تكُونُ فِعْلاً، فالقول مثل أن تلبيه إذا دَعَاهَا، وتخْضَعُ لَهُ بالقَوْلِ إذَا خَاطَبَهَا ثُم تغيَّرتْ، والفِعْلُ إن كَانَتْ تَقومُ إلَيْهِ إذَا دَخَلَ عَلَيْهَا، أوْ تُسارعُ إلى أمره وتبادر إلى فراشه باستبشار إذا التمسها، ثم [إنها] تغيرت عَنْ كل ذلك، فهذه إمارَاتٌ دالةٌ على النُّشوزِ، فحينئذٍ ظنَّ نُشُوزهَا، فهذه المقدمَاتُ تُوجِبُ خَوْفَ النُّشُوزِ، وأمّا النشوز فهو مغصية الزَّوْج، وُخَالَفَتَهُ، وأصْلُهُ مِنْ قولهم: نَشَزَ الشَّيْئُ إذا ارتفع، ومنه يُقالُ للأرضِ المرتفعة: «نَشَزٌ» ، يُقَالُ: نَشَزَ الرَّجُلُ ينشِز [وينشُز] إذا كان قاعداً فَنَهض قَائِماً، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ انشزوا فَانشُزُواْ يَرْفَعِ الله} [المجادلة: ١١] ارتفعوا أو انهضوا إلى حرب أو أمر من أمور اللهِ تعالى.

وقال أبُو منْصُورٍ اللُّغَويُّ: «النُّشُوزُ كرَاهِيَةُ كُل واحد من الزَّوْجَيْنِ صاحِبَهُ، يقال: نَشَزَتْ تَنْشَزُ، فهي نَاشِزٌ بغير هاء، وهي السَّيِّئَةُ العِشْرَةِ» .

وقال ابْنُ دُرَيْدٍ: «نَشَزَتْ المرْأةُ، وَنَشَسَتْ، ونَشَصَتْ بمعنى واحد» .

قوله: «فعظوهنّ» ، أي: بالتخويف من الله تعالى، فَيُقَالُ: اتَّقي الله فإنَّ عليك حقًّا لي، وارجعي عمّا أنت عليه، واعْلَمِِي أنَّ طاعتي فرضٌ عليك، فإن أصرَّت على النُّشوزِ، فيهجرها في المَضْجَعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>