سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} [الحجر: ١٥] ، أي: غُشيت، والسُّكْر من الشراب، وهو أن يَنْقَطِع عما عَلَيْه من النَّفَاذ حال الصَّحْو، فلا ينفذ رأيه كنَفَاذَه حَال الصَّحْو، وقال الضحَّاك: أراد به سُكْر النّوم نهى عن الصَّلاة عند غَلَبَة النَّوْم، قال - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -:» إذا نَعسَ أحدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي، فَلْيَرْقُد حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ؛ فإنَّ أحَدَكُم إذا صَلَّى وهو يَنْعَسُ، لَعَلهُ يَذْهَبُ يستَغْفِرُ فَيَسب نَفْسَه «.
والصحيح الأوَّل؛ لأن السكر حَقيقةً هو من شُرْب الخَمْرِ، فأمّا السّكر من الغَضَبِ أو العِشْقِ أو النَّوْمِ فَمَجَازٌ، إنما اسْتُعِْمِل مقيَداً؛ قال - تعالى -: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ}[ق: ٩] ، {وَتَرَى الناس سكارى وَمَا هُم بسكارى} الحج: ٢] قال الفرزْدَق: [الطويل]
ولأن عند النَّوْم تمتلئ مَجَاري الرُّوح من الأبخرة الغليظَة، فلا ينفذ الروح للبَاصِر.
قوله - تعالى -:» حتى تعلموا «» حتى «جارَّة بمعنى إلى، فهي مُتعلِّقَةٌ بفعل النَّهْي، والفعل بَعْدَها مَنْصوب بإضمار» أن «وتقدّم تَحْقِيقُه، وقال بَعْضُهم: إن حَتَّى هنا بمعنى [» كَيْ «] فهي» تَعْلِيلِيَّة «، والمَعْنَى: كي تَعْلَمُوا ما تَقُولُون.
و «ما» يجوز فيها ثَلَاثَة أوْجُه: أن تكون بِمَعْنَى الَّذِي، أو نكرة مَوْصُوفة، والعَائِد على هَذَيْن القَوْلَيْن مَحْذُوف، أي: يَقُولُونَهُ، أو مصدرية، فلا حَذْف إلا عَلَى رأي ابن السَّرَّاج ومن تَبِعَهُ.
فصل قول البعض بنسخ الآية
قال بَعْضهم: هذه الآية مَنْسُوخة بآية المائدة.
قال ابن الخَطِيب: والَّذي يمكن النَّسْخُ فيه، أنَّه - تعالى - نَهَى عن قُرْبَان الصَّلاةِ حَالَ السُّكْر مَمْدُوداً إلى غَايَة أن يَصير بِحَيْث يَعْلَم ما يَقُول، والحكم المَمْدُود إلى غاية، يَقْتَضِي انتهاء ذَلِك الحُكْم عند تلك الغَايَةِ، وهذا يَقْتَضِي جواز قُرْبَان الصَّلاة مع