اختلفوا في هذا {الملك} ، فقيل: إنَّ اليهودَ كانوا يقُولُونَ: نحنُ أوْلَى بالملكِ، والنُّبوةِ؛ فكَيْفَ نَتْبَعُ العَرَبَ؟ فأبطل اللهُ ذلك، بهذه الآيةِ.
وقيل: كانوا يَزْعُمُونَ أنَّ الملكَ يعودُ إليهم، في آخرِ الزمانِ، فيخرجُ مِنَ اليهودِ مَنْ يُجَدِّدُ مُلْكَهُم؛ فَكَذَّبهم الله [تعالى] بهذه الآيةِ.
وقيل [المرادُ] بالمُلْكِ - هاهنا - التَّمليكُ: يَعْنِي: أنَّهم إنَّما يَقْدِرُونَ على دفعِ نُبُوَّتِكَ؛ لو كان التمليكُ إليهم، [و] لو كان التمليكُ إلَيْهمْ؛ لبخلوا بالنَّقِير، والقِطْمِيرِ. فكيفَ يَقْدِرُونَ على النَّفْيِ والإثْبَاتِ.
قال أبُو بَكْرٍ الأصَمّ: كَانُوا أصْحَابَ بَسَاتِينَ وأمْوَالٍ، وكانوا في عِزَّةٍ، ومَنَعَةٍ، وكانوا يَبْخَلُونَ على الفُقَراءِ بأقل القَلِيلِ؛ فنزلت هذه الآيةُ.
قوله:«فإذن» حَرْفُ جَوَاب، [وجَزَاء] ونُونُها أصلية، قال مَكي [وحذاق النحويِّين على كتب نونها نوناً] وأجاز الفرَّاءُ أن تُكْتَبَ ألفاً، وما قاله الفرَّاءُ هو قِيَاسُ الخَطِّ؛ لأنه مَبْنيٌّ على الوَقْفِ [والوقف على نُونها بالألف، وهي حرفٌ يَنْصِبُ المضارع بِشُرُوطٍ تقدَّمَتْ] ، ولكنْ إذَا وَقَعَتْ بعد عَاطِفٍ، فالأحْسَنُ الإهمالُ وقد قرأ ابنُ مَسْعُودٍ، وابنُ عَبَّاسٍ - هنا - بإعْمَالِهَا، فَحَذَفَ النُّونَ مِنْ قَوْلِه:{لَاّ يُؤْتُونَ} .
وقال أبُو البَقَاءِ: ولَمْ يَعْملْ - هنا - من أجْلِ حَرْفِ العَطْف وهُوَ الفَاء، ويجوزُ في غَيْرِ القُرْآنِ، أنْ يَعملَ مع الفَاءِ، وليس المبطل لا؛ لأنَّ «لا» يتخطَّاهَا العامِلُ، فظاهِرُ هذه العبارَةِ: أنَّ المانِعَ حَرْفُ العَطْفِ، وليس كذلك، بل المانِعُ التلاوةُ، ولذلك قال آخراً: ويجوزُ في غَيْرِ القُرْآنِ.
قال سِيبَويْهِ:«إذن» في أصل الأفعالِ بمنزِلَةِ «أظن» في عَوَامِلِ الأسْمَاءِ، وتقريرهُ: أنَّ الظنَّ إذَا وَقَعَ أوَّلَ الكلام - نَصَبَ، لا غَيْرَ؛ كقولِكَ: أظُنُّ زَيْداً قائماً، وإنْ تَوَسَّطَ جَازَ إلْغَاؤه، وإعْمَالهُ تقول: زَيدٌ ظننْتُ مُنْطلِقٌ، ومنطلقاً، وإنْ تأخَّر، ألْغِيَ.