والسببُ في ذلك؛ أن «ظن» وأخواتِهَا، عَلِمَ، وحَسِبَ، ضَعِيفةٌ في العملِ؛ لأنها لا تُؤثِّرُ في مَفْعُولاتِهَا، فإذا تَقَدَّمَتْ دلَّ تقدمُهَا على شِدَّةِ العِنَايَةِ فلغى، [وإنْ توسَّطَتْ، لا يكون في مَحَلِّ العنايةِ مِنْ كُلِّ الوُجُوهِ، ولا في مَحَلِّ الإهْمَالِ من كل الوجوه، فَلَا جَرَمَ أوْجَبَ توسُّطُها الإعْمالَ] ، والإعْمالُ في حَالِ التوسطِ أحسنُ والإلغاءُ حَالَ التأخُّرِ، أحْسَنُ، وإذا عرفتَ [ذلك] فنقول: «إذن» على هذا الترتيبِ، [فإن تقدمَّتْ نَصَبَتِ الفعلَ، وإنْ توسَّطَتْ، أوْ تأخرتْ جاز الإلْغَاءُ] .
والنَّقِيرُ: قال أهلُ اللغةِ: النَّقِيرُ: نُقْطَةٌ في ظَهْرِ النواةِ، ومنها تَنْبُتُ النخلةُ، وقال أبُو العَالِيَة: هو نَقْدُ الرجلِ الشَّيْئِ بِطَرفِ إصْبَعِهِ، كما يُنْقِرُ الدِّرْهَمَ، وأصْلُه: أنَّهُ فِعْلٌ مِنَ النَّقِرِ، يُقالُ للخشبِ الذي يُنْقَرُ فيه: إنَّهُ نَقِيرٌ؛ لأنه يُنْقَرُ، والنَّقْرُ: ضَرْبُ الحَجَرِ وغَيْرِه بالمِنْقِارِ، يُقَالُ: فلانٌ كَرِيمُ النَّقِيرِ، أي: الأصْلِ، والمِنْقِارُ: حَدِيدَةٌ كالفأسِ تُقْطَعُ بها الحِجَارَةُ، ومِنْهُ: مِنْقِارُ الطائِرِ؛ لأنه يَنْقُرُ بِهِ، وذكْرُ النَّقيرِ هُنَا تَمْثِيلٌ، والغَرَضُ منه، أنَّهم يَبْخَلُونَ بأقلِّ القَلِيلِ.
قوله:{أَمْ يَحْسُدُونَ الناس} .
قال قَتَادَة: المرادُ أنَّ اليهودَ يَحْسُدُونَ العَرَبَ على النُّبوةِ، وما أكْرَمَهُمُ اللهُ تعالى بِمُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -.
وقال ابنُ عَبَّاسٍ، والحَسَنُ، ومُجَاهدٌ {وجَمَاعَةٌ] : المراد ب «الناس» رسول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حَسَدُوهُ على ما أحَلَّ اللهُ له من النِّساءِ، وقالوا:«ما له هم إلا النكاح» وهو المرادُ بقوله: «على ما آتاهم الله من فضله» ، وقيلَ حَسَدوهُ على النُّبوةِ، والشَّرفِ في الدينِ والدنيا، وهذا أقْربُ، وأوْلَى.
وقيل: المرادُ ب {الناس} محمدٌ وأصحابه، ولمّا بيَّنَ [اللهُ] تعالى أنَّ كثرةَ نِعَمِ اللهِ [عليهِ] صَارَ سبباً لحَسَدِ هؤلاءِ اليهودِ، بَيَّنَ ما يدفع ذلك الحَسَدَ، [فقال]