للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

مُوافَقَةُ الإرَادَةِ؛ لأنَّ الله قد يَأمُر ولا يُريدُ؛ كما أمر أبَا لَهَبٍ بالإيمَانِ مع انَّه لم يُرِدْهُ منه، إذ لو أرَادَهُ لا مَحَالَة.

فصل

استدلُّوا بقوله - تعالى -: {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} على أن الأمَر للوُجُوب، [واعترض عليه المُتَكَلِّمُون؛ فقالوا: هذه الآيةُ لا تَدُلُّ على الوُجُوب إلا إذا ثَبَتَ أن الأمْرَ للوجُوبِ] ، وهذا يَقْتَضِي افْتَقَار الدَّليل إلى المَدْلُولِ.

وأجيبُ بوَجْهَينِ:

الأوَّل: أن الأمر الوَارِدَ في الوَقَائِع المخصُوصةِ على النَّدْبيَّة، فقوله: {أَطِيعُواْ الله} لو اقْتَضَى النَّدْبَ، لم يَبْقَ لِهَذِه الآيَةِ فائِدَةٌ.

الثاني: أنه خَتَمَ الآيَةَ بِقَوْلِهِ: {إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر} وهذا وعيد.

قوله: «منكم» في محلِّ نَصْبٍ على الحَالِ من «أولي الأمر» فيتعَلَّقُ بمَحْذُوفٍ، أي: وأُولِي الأمْرِ كائِنِينِ مِنكُم، و «مِنْ» تَبْعِيضية.

قوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ} [اختلَفْتُم] ، {فِي شَيْءٍ} [أيْ:] من أمْرِ دينكُم، والتَّنَازُع: اخْتِلافَ الآرَاءِ.

قال الزَّجَّاج: اشْتِقَاق المُنَازَعَة من النَّزْعِ الَّذِي هُوَ الجَذْب، والمُنَازَعَةُ: عبارة عن مُجَاذَبَةِ كُلِّ واحدٍ من الخَصْمَيْن، يَجْذِب بِحُجَّةٍ صَحِيحَةٍ.

قوله: {فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول} [أي: إلى الكِتَابِ والسُّنَّةِ] .

وقيل: الرَّدُّ إلى الله والرَّسُول؛ أن يقُول لما لا يعْلَمُ: «الله ورسوله أعلم» .

فصل في دلالة الآية على حجية القياس

دلت هذه الآيةُ على أنَّ القياس حُجَّة؛ لأن قوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ} إمَّا أن يكُون المُرادُ منه «فإن اختلفتم في شيء» أي: حكم مَنْصُوصٍ عليه [في الكِتابِ أو السُّنَّةِ أو الإجْمَاعِ] ، [أو يكون المُرادُ: «فإن اختلفتم في شيء» حكمه غير مَنْصُوصٍ عليه في شَيء من هذه الثَّلاثة] .

والأوَّل بَاطِلٌ: لأنَّ الطَّاعَة واجِبَةٌ، لقوله: {أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأُوْلِي الأمر مِنْكُمْ} فيَصِيرُ قوله: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول} إعادة لعين ما مَضَى، وذلك غيْر

<<  <  ج: ص:  >  >>