إلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فأبى المُنافِقُونَ فانْطَلَقُوا إلى أبِي ليَحْكُمَ بَيْنَهُم، فقال: أعْطُوا اللُّقْمَة، يعني: الخطر، فقالوا: لَكَ عَشْرَة أوْسُق، فقال: لَا بَلْ مئة وَسْقٍ ديَتِي، فأبَوْا أن يعطوهُ فوقَ عَشْرَة أوسْق، فأبَى أنْ يَحْكُمَ بيْنَهُم، فأنزَلَ الله - تعالى - آيتي القِصَاص، فدَعَا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الكَاهِن إلى الإسْلامِ فأسْلَمَ، وعلى هذه الرِّوَايَة فالطَّاغُوتُ هو الكَاهِن.
وقال الحَسَن: إن رَجُلاً من المُسْلِمِينِ كان لَهُ على رَجُلٍ من المُنَافِقِين حَقٌّ، فدَعَاهُ المُنَافِقُ إلى وَثَنٍ كان أهْلُ الجَاهِليَّةِ يَتَحَاكَمُون إلَيْهِ، ورَجُلٌّ قائِمٌ يترجَّم الأبَاطيلَ عن الوثَنِ، فالمُرادُ بالطَّاغُوتِ؛ هو ذَلِكَ الرَّجُل، وقيلَ: كانوا يَتَحَاكَمُون إلى الأوْثَانِ، وكانَ طَريقُهم أنهم] يَضْرِبُونَ القِدَاحَ بِحَضْرَةِ الوَثَنِ، فما خَرَجَ على القِدَاحِ حَكَمُوا بِهِ، وعلى هَذَا فالطَّاغُوتُ الوَثَنِ.
قال أبو مُسْلِم: ظاهر الآيَةِ يَدُلُّ على أنه كان المُخَاصِمُ منافِقاً من أهْلِ الكِتَاب، كان يُظهر الإسْلامَ عَلَى سبيل النِّفَاقِ، لأن قوله - تعالى -: {يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ} إنما يليقُ بمثل هذا المُنافِقِ.
قوله:{يُرِيدُونَ} حال من فَاعِل [ {يَزْعُمُونَ} أو من {الذين يَزْعُمُونَ} .
وقوله:{وَقَدْ أمروا} حال من فَاعِل] {يُرِيدُونَ} فهما حالان مُتَدَاخِلان، {أَن يَكْفُرُواْ} في مَحَلِّ نَصْب فقط إن قدَّرْت تعدية «أمر» إلى الثَّانِي بِنَفْسِه، وإلا ففيها الخِلَافُ المَشْهُور، والضَّمِير في [بِهِ] عَائدٌ على الطَّاغُوتِ، وقد تقدَّم أنه يُذَكَّر ويُؤنَّث، والكلام عليه في البقرة.
وقرأ عبَّاس بن الفضل:«أن يكفروا بهن» ، بضمير جَمْع التَّأنيث.
فصل
قال القاضي: يَجِبُ أن يَكُونَ التحَاكُم إلى الطَّاغُوتِ كالكُفرِ، وعدم الرِّضَى [بِحُكْمِ] مُحَمَّد - عليه السلام - كُفْرٌ؛ لوجوه: