للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أحدها: قوله: {يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت وَقَدْ أمروا أَن يَكْفُرُواْ بِهِ} فجعل التَّحاكم [إلى لطَّاغُوت] مقابلاً للكُفْر به، وهذا يَقْتَضِي أن التَّحَاكُم إلى الطَّاغُوت كُفْر بالله، كما أن الكُفْرَ بالطَّاغُون إيمانٌ باللهِ.

ثانيها: قوله -[تعالى]-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} [النساء: ٦٥] وهذا نَصٌّ في تكْفِير من لَمْ يَرْضَ بحُكْم الرَّسُول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -.

وثالثها: قوله - تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣] وهذه الآياتُ تَدُلُّ على أنَّ من رَدَّ شيئاً من أوَامِرِ الله والرَّسُول فهُو خَارِجٌ عن الإسْلام، سواءٌ رَدَّهُ من جِهَةِ الشِّرْكِ أو من جِهَةِ الشِّرْكِ أو من جَهَةِ التَّمَرُّد، وذلك يُوجِبُ صِحَّة ما ذَهَبَتْ إليه الصَّحَابَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - من الحُكْمِ بارْتِدَادِ مَانِعِي الزَّكاة، وقَتْلِهم، وسَبي ذراريهم.

قوله: {أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً} في {ضَلَالاً} ثلاثة أقوال:

أحدُها: أنه مصْدَرٌ على غير المَصْدَر، نحو: {أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتاً} [نوح: ١٧] ، والأصْل «إضلالاً» و «إنباتاً» فهو [اسْم] مصدر لا مَصْدَر.

والثاني: أنه مَصْدَر لمطَاوع {أَضَلَّ} أي: أضَلَّهُم فَضَلُّوا ضَلَالاً.

والثالث: أن يَكُون من وَضْعِ أحد المَصْدَرَيْن مَوْضِع الآخَر.

فصل

قالت المعتزِلَةُ: قوله - تعالى -: {وَيُرِيدُ الشيطان أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً} يدُلُّ على أن كُفْر الكَافِرِ ليس بِخَْلق [الله - تعالى -] ولا بإرادَته؛ لأنه لو خَلَقَ الكُفْر في الكَافِرِ وأرَادَهُ منه، فأيُّ تأثيرٍ للشَّيْطَانِ فيه، وأيضاً فإنَّه ذَمَّ للشيطان؛ بسبب أنَّه يُريد هذه الضَّلالة، فلو كان - تعالى - مُرِيداً لها، لَكَانَ هُو بالذَّم أوْلى، لأن [كُلَّ] من عابَ شيئاً ثم فَعلَهُ، كان بالذَّمِّ أوْلَى به؛ قال - تعالى -: {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣] وأيضاً فإنَّه تعَجُّبٌ من تحاكُمِهِم إلى الطَّاغُوتِ، مع أنَّهمُ أمِرُوا أن يَكْفُرُوا به، ولو كَانَ ذلك التَّحاكُم بِخَلْقِ اللهِ، لما بقي التَّعَجُّب، فإنه يُقالُ: إنك خَلَقْتَ ذلك الفِعْلَ فيهم، وأرَدْتَهُ مِنْهُم، بل التَّعَجُّب من هذا التَّعَجُّب [هو] أولى. وجوابُهم المُعارضَة بالعِلْم والدَّاعِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>