و «مَا» يجوز أن تكون مَصْدَرِيَّة أو اسْمِيَّة، والعَائدُ مَحْذُوف.
فصل في المقصُود بالمُصِيبَة في الآية
قال الزَّجَّاج:[المراد] بالمُصِيبَة: قَتْل صَاحِبهم الَّذِي أقَرَّ أنَّه لا يَرْضَى بِحُكْم الرَّسُول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -، جَاءُوا إلى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وطالَبُوا عُمَر بِهِ، وحَلَفُوا أنَّهُم ما أرَادُوا بالذَّهَاب إلى غير الرَّسُول إلا الخَيْرَ والمَصْلَحة.
وقال الجُبَّائِيُّ: المُراد ب «المصيبة» هُنَا: ما أمر اللَّهُ - تعالى - نَبِيَّهُ من أنَّه لا يَسْتَصحبهُم في الغَزَوات، وأنَّه يَخُصُّهم بمزيد الإذْلَال والطَّرْدِ عن حَضْرتِهِ، وهو قوله - تعالى -: {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون والذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ}[الأحزاب: ٦٠] ، إلى قوله:{وَقُتِّلُواْ تَقْتِيلاً}[الأحزاب: ٦١] ، وقوله:{لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً}[التوبة: ٨٣] ، وهذا يُوجِب لَهُم الذُّلَّ العَظيم، وإنما أصَابَهُم ذلك لأجْلِ نفاقهم.
وقوله:«ثم جاءوك» أي: وقْتَ المُصِيبَةِ يحلفون ويعْتَذِرُون، وأنَّا ما أرَدْنَا بما كان مِنَّا إلا الإصْلاحَ، وكانوا كَاذِبين؛ لأنَّهُم أضْمَرُوا خِلاف ما أظْهَرُوهُ.
وقال أبو مُسْلِم: إنه - تعالى - لمَّا أخْبَر عن المُنَافِقِين، ورغبتهم في حُكْمِ الطَّاغُوتِ، وكَراهتهم في حُكْمِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - أنه سَيُصيبُهم مَصَائِب تُلْجِئُهم إلَيْه وإلى أَن يُظْهِرُوا الإيمَانَ لَهُ، ويَحْلِفُون أنَّ مُرَادَهُم الإحْسَان والتَّوفِيق، قال: ومن عادَةِ العَرَبِ عند التَّبشير والإنْذَارِ أن يقُولُوا: كيف أنت إذا كان كَذَا وكَذا؛ ومثله قولُه - تعالى -: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ}[النساء: ٤١] وقوله: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَاّ رَيْبَ فِيهِ}[آل عمران: ٢٥] ، ثم أمرهُ - تعالى - إذا كان مِنْهُمُ ذلِك، أن يُعْرِضَ عَنْهُم ويَعظُهم.
وقال غيره: المراد ب «المصيبة» : كُلُّ مُصِيبةٍ تُصيبُ المُنَافِقِين في الدُّنْيَا والآخِرَةِ.
قال القُرْطُبِيّ: وقيل: إن قوله - تعالى -: {فَكَيْفَ إِذَآ أَصَابَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} نزل في شَأنِ الذين بَنَوْا مَسْجِد الضِّرار، فلما أظهر اللهُ - تعالى - نِفَاقَهُم، وأمرهم بهَدْمِ المَسْجِد - حَلَفُوا للرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ دِفَاعاً عن أنْفُسهم: ما أردنا بِبِنَاء المَسْجِد إلَاّ طاعة الله ومُوافَقَةِ الكِتَابِ.
قوله:«يحلفون: حالٌ من فَاعِل جَاءُوك، و» إن «نافية، أي: ما أردْنَا و» إحساناً «مَفْعُول به، أو اسْتِثْنَاء على حَسَبِ القوْلَيْن في المسْألة.