وأظْهَرُوا النَّدَم على ما فَعَلُوهُ، وتَابُوا عَنْهُ واسْتَغْفَرُوا عنه، واسْتَغْفَر لهم الرَّسُول بأن يَسْألَ اللَّه أن يَغْفر لَهُم، وجَدُوا اللَّه تَوَّاباً رَحِيماً.
الثاني: قال الأصم: «إن قَوْماً من المُنَافِقِين اتَّفَقُوا على كَيْد الرَّسُول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -، ثمَّ دَخَلُ اعليه لأجْل [ذلك الغَرَضِ، فأتَاهُ جِبْرِيل - عليه السلام - فأخبرهُ بِه، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إن قوماً] دَخَلُوا عليه لأجْل يُريدُون أمْراً لا ينَالُونَه، فليقُومُوا وليَسْتَغْفِرُوا اللَّه حَتَّى أسْتَغْفِر لهم، فلَمْ يَقُومُوا، فقال: ألا تَقُومُون؛ فلم يَفْعَلُوا، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: قُمْ يا فُلانُ، قُمْ يا فُلَانُ، حَتَّى عدَّ اثْنَيْ عَشَر رَجُلاً منهم، فقاموا وقَالُوا: كُنَّا عَزَمْنَا على ما قُلْتَ، ونَحْنُ نَتُوب إلى اللَّهِ من ظُلْمِنَا أنْفُسِنَا، فاسْتَغْفِرْ لَنَا.
فقال: الآن اخْرُجُوا، أنا كُنْتُ في بَدْءِ الأمْرِ أقْرَبُ إلى الاسْتِغْفَارِ، وكان اللَّهُ أقْرَبُ إلى الإجَابَةِ، اخْرُجُوا عَنِّي» .
فإن قيل: ألَيْسَ لِوَ اسْتَغْفَرُوا اللَّه وتَابُوا على وَجْهٍ [صَحِيحٍ] ، لكَانَت تَوْبَتُهم مَقْبُولة، فما فَائِدَة ضَمِّ اسْتَغْفَار الرَّسُولِ إلى اسْتِغْفَارِهِم؟
فالجواب من وُجُوهٍ:
أحدُهَا: أن ذلك التَّحَاكُم إلى الطَّاغُوتِ كان مُخَالَفَةً لحُكْمِ اللَّه - تعالى -، وكانَ إسَاءَةً للرَّسُول - عليه السلام - وإدْخَالاً للغَمِّ في قَلْبِهِ، ومن كَانَ ذَنْبُهُ كَذَلِك، وجَبَ عليه الاعْتِذَارُ عن ذَلِك لِغَيْرِه؛ فلهذا المَعْنَى وَجَب عليهم إظهار طَلَب الاسْتِغْفَارِ [من الرَّسُولِ] .
ثانيها: أنَّهُم لمَّا لم يَرْضوا بحُكْم الرَّسُول - عليه السلام -، ظهر مِنْهُم التمَرُّد، فإذا نَابُوا، وَجَبَ عليهم أن يَفْعَلُوا ما يُزيلُ عنهم ذلك التَّمَرُّد؛ بأن يَذْهَبُوا إلى الرَّسُول ويَطْلُبُوا مِنْهُ الاسْتِغْفار.
وثالثها: أنهم إذا أتَوا بالتَّوْبَةِ أتوا بها على وجْهِ خَلَلٍ، فإذا انْضَمَّ إليها اسْتِغْفَارُ الرَّسُولِ، صارَتْ مُحَقَّقَة القَبُولِ، وهذه الآيَةُ تَدُلُّ على أن اللَّه - تعالى - يَقْبَلُ التَّوْبَة؛ لقوله:«لوجدوا الله تواباً رحيماً» .