دلَّت هذه الآيةُ على أن الأنْبِيَاء -[عليهم الصلاة والسلام]- مَعْصُومُون عن الذنُوبِ؛ لأنَّهَا دَلَّت على وُجُوبِ طاعَتِهِم مطلقاً، فلو أتَوْا بِمَعْصِيةٍ، لوجَبَ الاقْتدَاء بهم في تِلْكَ المعصِيَة، فتَصِيرُ وَاجِبةً علينا، وكَوْنُها معْصِيَةً يجب كوْنُهَا مُحَرَّمَةً عَلَيْنَا، فيلزم تَوَارُد الإيجَابِ والتَّحْرِيم على الشَّيْءِ الوَاحِدِ، وهو مُحَال.
فإن قيل: ألَسْتُم في الاعْتِرَاض على الجُبَّائِيّ ذكَرْتُم أن قوله: «إلا ليطاع» لا يفيد العُمُوم، فَكَيْفَ تَمَسَّكتُم به في هَذِه المَسْألة، مع أن [هَذَا] الاسْتِدْلَال لا يَتِمُّ إلا مَعَ القَوْلِ بأنَّهَا تفيد العُمُوم.
فالجواب: ظاهر [هذا] اللَّفْظِ يُوهِمُ العُمُوم، وإنما تَرَكْنَاهُ في تلك المَسْألَةِ؛ للدَّلِيلِ القَاطِعِ الَّذِي ذكَرْنَاه، على أنه يَسْتَحِيلُ منه - تعالى - أن يُريدَ الإيمَان من الكَافِرِ، فلأجْل ذلك المُعَارِض القَاطِعِ صَرَفْنَا الظَّاهِر عن العُمُوم، ولَيْس هَهُنَا بُرْهَان قاطِعٌ عَقْلِيٌّ يوجب القَدْحَ في عِصْمَة الأنبياء - عليهم السلام -، فظهر الفَرْق.
قوله:«ولو أنهم» قد تقدم الكلام على «أنَّ» الوَاقِعَة بعد «لَوْ» ، و «إذْ» ظَرْفٌ معمول لخبرِ «أنَّ» وهُو «جاءك» ، وقال:«واستغفر لهم الرسول» ، ولم يقل: واسْتَغْفَرْت، خُرُوجاً من الخِطَابِ إلى الغَيْبَة، لما فِي هذا الاسْمِ الظَّاهِر من التَّشْرِيف بوَصْفِ الرِّسَالة، إجْلالاً للرَّسُول - عليه السلام - و «وَجَدَ» هنا يُحْتَمِل أن تكُون العِلْمِيَّة، فتَتَعَدَّى لاثْنَيْن والثاني:«تواباً» ، وأن تكون غير العِلْميَّة، فتتعدى لِوَاحِدٍ، ويكون «تواباً» ويحتمل أن يَكُون خَبَراً ثَانياً في الأصْلِ، بنَاءً على تعَدُّد الخَبَر وهو الصَّحيح، فلما دَخَل النَّاسِخ، نَصَب الخَبَر المُتَعَدَّد، تقول: زَيْد فَاضِلٌ شاعِرٌ فَقِيهٌ عَالِمٌ، ثم تقول: علمت زَيْداً فَاضِلاً شَاعِراً فَقِيهاً عَالِمَاً، إلا أنَّهُ لا يَحْسُن أن يُقَال هُنا: شاعراً: مفعول ثالِث، وفَقِيهاً [مفعول] رابع، وعَالِماً: خامس.
فصل: سبب نزول الآية
في سَببِ النُّزُول وَجْهَان:
الأول: أن مَنْ تقَدَّم ذِكْرُه مع المُنَافِقِين، عندما ظَلَمُوا أنْفُسَهُم بالتَّحَاكُمِ إلى الطَّاغُوت، والفِرَار من التَّحَاكُمِ إلى رسُولِ الله -[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ] ، [لو جَاءُوا] للرَّسُول،