بُدَّ من حُصُولِ الانْقِيَاد في الظَّاهِرِ والقَلْبِ، وذلك يَنْفِي صُدُورَ الخَطَإ عَنْهُم، فَدَلَّ ذلك على أنَّ قَولَه:{عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ}[التوبة: ٤٣] ، وفتواه في أسْرَى بَدْرٍ، وقوله:{لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ}[التحريم: ١] ، وقوله:{عَبَسَ وتولى}[عبس: ١] كل ذلِكَ مَحْمُول على التَّأوِيل.
فصل
قالت المعتزلة: لو كانت الطَّاعَاتُ والمَعَاصِي بَقَضَاء الله - تعالى - لَزِم التَّنَاقُضُ؛ لأن الرَّسُول إذا حَكَم على إنْسَانٍ بأنه لا يَفْعلُ كَذَا، وجب على جَمِيع المكَلَّفين الرِّضَا بذلك؛ لأنه قضاءُ الرّسُول، والرِّضى بقَضَاءِ الرَّسُولِ وَاجِبٌ [لهذه الآية، ثم إن ذلك المكلَّف فعل ذَلِكَ بقَضَاءِ اللَّهِ، والرِّضَا بقضَاء اللَّه وَاجِبٌ] فيَلْزَمُ أن يَجِب على جَمِيع المكلَّفِين الرِّضَا بِذلِكَ الفِعْل، لأنه قضاء اللَّه، فوجب أن يَلْزَمَهُم الرِّضَا بالفِعْلِ والتَّرْكِ مَعاً، وذلك مُحَالٌ.
والجوابُ: أن المُرَاد من قَضَاءِ الرَّسُول: الفَتْوى بالإيجَابِ والمُرَاد من قَضَاء الله: التكوِين والإيجَادِ، وهما مفهومان مُتغايَران، فالجَمْعُ بينهما لا يفضي إلى التَّنَاقُض.