للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

المُسْتَقِيم، أكد الأمْرَ بالطَّاعَة في هَذِه الآيَةِ مَرَّة أخْرَى، فقال: {وَمَن يُطِعِ الله والرسول} الآية، وقال القُرْطبيّ: لما ذكر اللَّه - تعالى - الأمْر الذي لو فَعَلَهُ المُنافِقُون حِين وعظُوا به وأنَابُوا إليه، لأنْعَمَ عليهم، ذكر بعد ذَلِك ثَوابَ من يَفْعَلهُ.

فصل: سبب نزول الآية

قال جماعة من المفسِّرِين: «إن ثَوبَان مَوْلى رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كانَ شَديد الحُبِّ لرسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قليل الصَّبْر عن فِراقِهِ، فأتَاهُ يَوماً وقد تَغَيَّر لًوْنُه، ونحلُ جسمُه، وعُرف الحُزْن في وَجْهِه، فقال [له] رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ [ما غيَّر لَوْنَك؟ فقال: يا رسول الله] مَا بِي من وَجَع غيْرَ أنِّي إذا لمْ أرَكَ، اسْتَوْحَشْتُ وحْشَةً شَديدةً حَتَّى ألقاك، فَذَكَرْتُ الآخِرَة فَخِفْتُ إلَاّ أرَاكَ هُنَاكَ؛ لأنك تُرفعَ مع النبييِّن [والصِّدِّيقين] ، وإني إن أدخِلْتُ الجَنَّة، كنت في مَنْزَلةٍ أدْنَى من مَنْزِلَتِك، وإن لَمْ أدْخُلِ الجَنَّة، فلا أرَاكَ أبَداً» ، فنزلَتْ [هذه] الآيَةَ.

وقال مُقَاتل: نَزَلَتْ في رَجُلٍ من الأنْصِارِ، قال للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يا رسُولَ الله، إذا خَرَجْنَا من عِنْدِك إلى أهْلِينَا اشْتَقْنَا إليك، فما يَنْفَعُنَا شيء حتَّى نَرْجع إلَيْك، ثم ذَكَرْتُ درجَتَكَ في الجَنَّة، فكيف لَنَا بِرُؤْيَتك إن دَخَلْنَا الجَنَّة، فنزَلتْ هذه الآيةُ، فلما تُوُفِّي النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: اللَّهُمَّ أعْمِنِي حّتَّى لا أرَى شَيْئاً بَعْدَهُ إلى أنْ ألقاه؛ فعَمِيَ مَكَانَهُ، فكان يُجِبُّ النبي حُبّاً شديداً، فجعله الله مَعَهُ في الجَنَّةِ.

قال المُحَقِّقُون: لا تنكَرُ صحَّة هَذِهِ الرَّوَايَات؛ إلا [أن] سَبَب النُّزُّول يجب أن يكون شَيْئاً أعْظَم من ذَلِك، وهو الحَثُّ على الطَّاعَةِ والتَّرغِيب فيهَا، فإن خُصُوصَ السَّبَبِ لا يَقْدَحُ في عُمُوم اللَّفَظِ، فالآيةُ عامَّةٌ في حَقِّ جميع المكلَّفين، والمَعْنَى: ومَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>