قال القَاضي: لا بد من حَمْلِ هَذَا على غير ظاهره، وأن تُحْمَل الطَّاعَة على فعل المأمُورَاتِ وتَرْك جَمِيع المنْهِيَّات؛ إذ لو حَمَلْنَاهُ على الطَّاعَةِ الوَاحِدَةِ، لدخل فيه الفُسَّاق والكُفَّار؛ لأنهم قد يأتُونَ الطَّاعَةِ الوَاحِدَةِ، لدخل فيه الفُسَّاق والكُفَّار؛ لأنهم قد يَأتونَ الطَّاعَةَ الوَاحِدَة.
قال ابن الخَطِيب: وعِنْدِي فيه وَجْهٌ أخَرَ، وهو أنَّهُ ثَبَتَ في أُصُولِ الفِقْهِ، أن الحُكْمَ المَذْكُور عَقِيب الصِّفَةِ يُشْعِرُ بِكَوْنِ ذلك الحُكْمِ مُعَلِّلاً بذلك الوَصْفِ، وإذا ثَبَتَ هذا فَنَقُول: قوله: {وَمَن يُطِعِ الله}[أي: ومن يُطِع الله] في كَوْنِهِ إلهاً، وذَلِكَ هو مَعْرِفَتُه والإقْرَار بِجَلَالَهِ وعِزَّتِه وكبْرِيَائِه [وقُدْرَته] ، ففيها تَنْبِيهٌ على أمْرَيْن عظيمين مِنْ أمُور المَعَاد:
الأوّل: منشأ جَميع السَّعَاداتِ يوم القيامَة وهُو إشْرَاق الروح بأنْوَارِ معْرفته تعالى، وكل من كانت هذه الأنوار في قلبه أكْثَر، وصَفَاؤُهَا أقْوَى، وبُعْدُها عن التكَدُّر بعالم الأجْسَام، كان إلى الفَوْزِ بالنجاة أقرب.
الثاني: قال ابن الخَطِيب: إنه - تعالى - وعد المُطيعين في الآيةِ المتقدِّمَة بالأجْر العَظِيم والهداية، ووعَدهُم هنا بِكَوْنِهِم مع النّبِيَّين [كما ذكر في] الآية، وهَذَا الذي خَتَمَ به أشْرُف ممَّا قَبْلَهُ، فليس المُرادُ مَنْ أطَاعَ الله وأطاعَ الرَّسُول مع النَّبِيِّين والصِّدِّيقين - كَوْن الكل في دَرَجَةٍ واحِدَةٍ؛ لأن هذا يقْتَضِي التسوية في الدَّرجة بين الفَاضِلِ والمَفْضُوُل، وأنَّه لا يجُوزُ، بل المُرادُ: كونُهم في الجَنَّةِ بحَيْثُ يتمكَّن كل واحدٍ مِنْهُم من رُؤيَة الأخَرَ، وإن بَعُد المَكَان؛ لأن الحِجَابِ إذَا زَالَ، شَاهدَ بَعْضُهم بَعْضَاً، وإذا أرَادُوا الزِّيَارَة والتَّلاقِي قَدَرُوا عَلَيْهِ، فهذا هُو المُرادُ من هَذِه المَعيَّة.