فإن قيل: فكذلك يُقَدِّر الزَّمَخْشَرِيّ عاملاً يدلُّ عليه {وَلَا تُظْلَمُونَ} تقديره: «أينما تكونوا فلا تظلمون» فحذف «فلا تظلمون» ، لدلالةِ ما قبله عليه، فيخلُصُ من الإشْكَال المَذْكُور.
قيل: لا يُمْكِن ذلك؛ لأنه حينئذ يُحذفُ جَواب الشَّرط وفعلُ الشرط مُضَارعٌ، وقد تقدم أنَّه لا يَكُون إلا ماضياً «. وفي هذا الردِّ نظرٌ؛ لأنه أرادَ تَفْسِير المَعْنَى. قوله: ولا يناسب أن يكون مُتَّصِلَا بقوله: {وَلَا تُظْلَمُونَ} مَمْنُوعٌ، بل هُو مُنَاسِب، وقد أوضَحَهُ الزَّمَخْشَرِي بما تقدَّم احْسَنَ إيضَاحٍ.
والجُمْلَة الامتنَاعِيَّة في مَحَلَّ نصبٍ على الحَالِ، أي: أينما تَكُونوا من الأمكنة، يدركْكم المَوْت، ولو كانت حَالُكم أنَّكم في هذه البُرُوج، فيُفْهَمُ أن إدراكه لهم في غَيْرِها بطريق الأوْلى والأخْرى، وقريبٌ منه:» أعْطُوا السَّائِل ولو على فَرَسٍ «. والجملةُ الشَّرطِيَّة تحتمل وَجْهَيْن:
أحدهمت: أنها لا مَحَلَّ لها من الإعراب؛ لأنها استِئْنَافُ إخبارٍ؛ اخبر - تعالى - أنَّه لا يفُوتُ الموتَ أحَدٌ، ومنه قولُ زُهَيْر:[الطويل]
والثَّاني: أنها في مَحَلِّ نَصبٍ بالقَوْل قَبْلَها أي: قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَبِيلٌ، وقُلْ أيضاً: أينما تَكُونُوا.
والجُمْهُور على» مشيدة «بفتح الياء اسم مَفْعُول. ونعيم بن ميْسَرة بِكَسْرِها، نسَبَ الفعلَ إليها مَجَارزاً؛ كقولهم:» قَصِيدَةٌ شَاعِرَة «، والموْصُوفُ بذلك أهْلُها، وإنما عَدَلَ إلى ذلك مُبَالغةً في الوَصْفِ.
والبُرُوج: الحُصُونُ مَأخُوذةٌ من» التَّبرُّج «وهو الإظْهَارُ، ومنه:» غير مُتبرِّجَات بزينة «، والبَرَجُ في العين: سَعَتُها، ومنه قولُ ذي الرُّمَّة:[البسيط]