أي: بإرسال، بمعنى رِسَالة. و «للناس» يتعلق ب «أرسلناك» ، واللَاّم للعِلَّة، وأجاز أبو البقاء أن يكونَ حَالاً من «رسولاً» كأنه جَعَله في الأصْلِ صِفَةً للنَّكِرَة، فقُدِّم عليها، وفيه نَظَر.
فصل
قال الجُبَّائِيُّ: قد ثَبتَ أنَّ لَفْظَ السِّيِّئَة يقع على البَلِيَّةِ والمِحْنَة، وتارة يقع على الذَّنْب والمَعْصِيَة، ثم إنَّه - تعالى - أضَافَ السِّيِّئَة إلى نَفْسِهِ في الآية الأولَى بقوله:{قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله} ، وأضَافَها في هذه الآيَةِ إلى العَبْد بِقَوْله:{وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} ولا بُدَّ من التَّوْفِيقِ بين الآيَتَيْنِ؛ فنقول: لمَّا كانت السَّيِّئَةُ بمكعنى البَلَاءِ والشِّدَّة مُضَافَة إلى الله، وجب أن تَكُون السِّيِّئَةُ بمعْنَى المُصِيبَة مُضَاَفة إلى العَبْدِ؛ ليزُول التَّنَاقُضُ بين هَاتَيْنِ الآيَتَيْن المُتَجَاوِرَتَيْن، وقد حَمَل المُخَالِفُون أنْفُسَهم على تَغْيِير الآيَةِ، وقرأوا:«فمن نفسك» فَغَيَّروا القُرْآن، وسلَكُوا مثل طريقَةِ الرَّافِضَة في ادِّعاءِ التَّغْيير في القُرْآن.
فإن قيل: إن الحسَنَة وإن كَانَت من فِعْل العَبْد، فإنَّما وَصَل إلَيْهَا بتسْهِيله وألْطَافِه، فصَحَّت الإضَافَةُ إلَيْه، وأمَّا السَّيِّئة، فَهِي غير مُضَافَةٍ إلى الله - تعالى - بأنَّه [مَا] فَعَلَها، ولا أرَادَهَا، ولا أمَرَ بِهَا، ولا رَغَّبَ فيهَا. فلا جَرَم انْقَطَعَتْ هذه النِّسْبَة إلى الله تعَالى من جَمِيعِِ الوُجُوهِ.