قال ابن الخَطِيبِ: والجَوابُ: أن هذه الآيَةَ دلَّت على أنَّ الإيمَان حَصَل بتَخْلِيق الله - تعالى -: لأن الإيمَان حَسنَةٌ [والحَسَنَة] هي الغِبْطَةَ الخَالِيَةُ عن جَمِيعِ جِهَاتِ القُبْحِ، والإيمان كَذَلِكَ؛ فوجب أن تكُون حَسَنة؛ لأنَّهم اتَّفَقُوا على أنَّ قوله {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى الله}[فصلت: ٣٣] أن المُرادَ به: كلمة الشَهَادة، وقيل في قوله:{إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان}[النحل: ٩٠] قيل: هو قَوْل لا إلَه إلَاّ الله؛ فَثَبت أنَّ الإيمان حَسَنَة، وإنما قُلْنَا: إن كل حَسَنَةَ من الله؛ لقوله - تعالى -: {مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله} وهذا يفيد العُمُوم في جَميع الحَسَنَاتِ، وإذا ثَبَت أنَّ الإيمان حَسَنة، وكُلُّ حسنة من الله، وجب القَطْع بأنَّ الإيمَان من اللهِ.
فإن قيل: لم لا يجُوز أن يكون المُرَادُ من قوله: «من الله» هو أنَّ الله قدَّرَه عَلَيْه، وهَدَاه إلى مَعْرَفَة حُسْنهِ، وإلى مَعْرِفَة قُبْحِ ضِدّه الذي هو الكُفر.
قُلْنَا: جميع الشَّرَائِطِ مُشْتَرَكَةٌ بالنِّسْبَة إلى الإيمَانِ والكفر عندكم ثمَّ إنَّ العَبْد باخْتِيَار نَفْسِه أوْجد الإيمان، ولا مَدْخل لِقُدْرة الله وإعانَتِه في نَفْس الإيمَانِ، فكان الإيمَانُ مُنْقَطِعاً عن الله -[تعالى]- من كل الوُجُوهِ، فكذا هَذَا مُنَاقِضاً لقوله:{مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله} ؛ فثبت لدلَالَة هذه الآية أن الإيمان من الله، والخُصُوم لا يَقُولُون به، وأمَّا بيان أنَّ الكُفْر من اللهِ فَلوُجُوه:
أحدُهَا: أن كُلَّ من قَالَ: الإيمانُ من الله قال الكُفْر من الله؛ فالقَوْل بأحَدِهِمَا من الله - تعالى - دُون الآخَرِ - مخالِفٌ لإجْمَاع الأمَّةِ.
وثانيها: أن العَبْد لو قَدَر على تَحْصِيل الكُفْرِ، فالقُدْرَة الصَّالِحة لإيجَادِ الكُفْر: إمَّا أن تكُون صَالِحة لإيجَادِ الإيمان، أو لا، فإن كانت صَالِحَةً لإيجَادِ الإيمانِ، [فحينئذٍ] يَعُود القول في أنَّ إيمان العَبْدِ مِنْهُ، [وإن لَمْ تَكُنْ صَالِحةٌ لإيجَادِ الإيمَانِ، فيكُونُ القَادِر على الشَّيْءِ غير قَادِر على ضِدَّه، وذلك عندهُم مُحَالٌ؛ فثبت أنَّهُ لَمْ يَكُنْ الإيمَان مِنْه، وجَب ألاّ يكُونَ الكُفْر مِنْهُ] .
وثالثها: أنَّه لمَّا يكُن العَبْد مُوجداً للإيمَانِ فبأن لا يكون موجداً للكفر أوْلى؛ وذلك لأنَّ المُسْتَقِلَّ بإيجَادِ الشَّيْءِ هو الَّذي يُمْكِنُه تَحْصِيلُ مُرَادِهِ، ولا نَرَى في الدُّنْيَا عَاقِلاً، إلَاّ يُريدُ أن يكُون الحَاصِل في قَلْبهِ هو [الإيمان والمَعْرِفَة والحقّ، وإن أحداً مِنِ العُقَلاء لا يُرِيدُ أن يكُونَ الحَاصِلُ في قلبه هو] الجَهْل والضَّلال والاعْتِقاد المُطابق، وَجَب إلَاّ