والغَالِبُ أنه إنَّما يَسْتَقْصِي في الأفْكَار في اللَِّيْلِ، فلا جَرَم سُمِّي ذلك فيس الفِكْر مبيِّتاً.
والثاني: أن التَّبْييتَ والبَيَات: أن يَأتِي العَدُوُّ ليلاً، وبات يَفْعَل كذا: إذا فَعَلَه لَيْلاً؛ كما يُقَال: ظلَّ بالنَّهار، وبَيَّتَ بالشيء، قَدَّره، وإنما خَصَّ هذه الطَّائِفَة من جُمْلَة المُنَافِقِين لوجهين:
أحدهما: أنه - تعالى - ذكر من عَلِم أنَّه يَبْقى على كُفْرِه ونِفَاقِه، فأمَّا من عَلِمَ أنَّه يرجع عن ذَلِك فإنَّه لم يَذْكُرْهُم.
والثَّاني: أنَّ هذه الطَّائِفَة كانوا قد سَهِرُوا لَيْلَهُم في التَّبْيِيتِ، وغيرهم سَمِعُوا وسَكَتُوا ولم يُبَيِّتُوا، فلا جَرَم لم يُذْكَرُوا.
وفي الآيَة دليل على أن مُجَرَّدَ القَوْل لا يُفيد شيئاً، فإنَّهُمْ قَالُوا ططائفة «ولَفَظُوا بِهَا، ولم يحقِّق الله طاعتهم.
ثم قال:{والله يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ} ذكر الزَّجَّاج [فيه] وجْهَيْن:
أحدهما:[معناه] : ينزل إلَيْك في كِتَابِه.
والثَّّاني: يكُتَبُ ذلك في صَحضائِف أعْمَالهم؛ ليجَازوا بهز
وقال الضَّحاك عن ابن عبَّاسٍ، يعني: ما يُسِرُّون من النِّفَاق.
و» مَا «في» ما يبيتون «يجوز أن تكون مَوْصُولة أو مَوْصُوفة أو مَصْدَرية.» فأعْرِض عَنْهم «يا مَحَمَّد، ولا تفضحهم ولا تُعَاقِبْهُم ولا تُخْبَر بأسْمَائِهِم؛ فأمر الله - تعالى - بستْر [أحْوَالِ] المُنَافِقين إلى أن لمن توكَّلَ عليه.
قال المُفَسِّرون: كان الأمْر بالإعْراض عن المُنَافِقِين في ابْتِداء الإسْلَام، ثم نُسِخ ذلك بقوله:{جَاهِدِ الكفار والمنافقين}[التوبة: ٧٣] . وهذا فيه نَظَر؛ لأن الأمْر بالصَّفْح مُطْلَق، فلا يفيد إلاّض المَرَّة الوَاحِدَة، فورودُ الأمْر بعد ذَلِك بالجَهِادِ لا يكون نَاسِخاً له.