الرابع: أنها عاطفتها على جملة قوله: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}[النساء: ٧٤] .
الخامس: أنها جوابُ شرط مُقَدَّر، أي: إنْ أرَدْت فقاتل، وأولُ هذه الأقْوَال هو الأظْهَر.
فصل
لما أمر بالجِهَاد في الآيات المُتقدِّمة ورغب فيه، وذكر قِلَّة رغبة المُنَافِقِين في الجِهَاد، عاد [إلى] الأمْر بالجِهَاد في هَذِه الآية.
قوله:{لَا تُكَلَّفُ إِلَاّ نَفْسَكَ} في هذه الجُمْلَة قولان:
أحدهما: أنها في محلِّ نَصْب على الحَالِ من فاعل «فقاتِلْ» أي: فقاتِلْ غير مُكّلِّفٍ إلا نَفْسُك وحدها.
والثاني: أنها مُسْتأنفة أخْبَرَه - تعالى - أنه لا يكلِّف غَيْرَ نَفْسِه.
والجمهور على «تُكَلَّفُ» بِتَاء الخِطَاب ورفْع الفعل مبنيّاً للمفعُول، و «نفسك» هو المفعُول الثاني، وقرأ عبد الله بن عُمَر:«لا تُكَلِّفْ» كالجَمَاعة إلا أنه جزمه، فقيل: على جَواب الأمْرِ، وفيه نظرٌ، والذي يَنْبَغِي أن يكُون نَهْيَاً، وهي جملة مُسْتأنفة، ولا يجُوز أن تكون حَالاً في قراءة عبد الله؛ لأنَّ الطَّلَب لا يكون حالاً، وقرئ «لا نكلف» بنُون العَظَمَة ورفع الفِعْل، وهو يَحْتَمِل الحال والاستئنَاف المُتقدِّمَيْن.
فصل في سبب نزول الآية
روي أن رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ واعد أبا سُفيان بعد حَرْب أحد موسم بدر الصُّغْرى في ذِي القَعْدَة، فلما بلغ المِيعَاد دعَا النَّاس إلى الخُرُوج فكرهه بَعْضُهُم؛ فأنزل الله:{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله لَا تُكَلَّفُ} أي: لا تَدَع جِهَاد العَدُوِّ ولو ودك، فإن الله قد وعدك بالنُّصْرة، و {حَرِّضِ المؤمنين عَلَى القتال}[الأنفال: ٦٥] أي: حثَّهُم ورغَّبْهم في الثَّواب، فَخَرَج رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في سَبْعِين رَاكِباً فَكَفَاهُم الله القِتَالَ.
والتَّحْرِيض: الحَثُّ على الشيءِ، قال الرَّاغِب: كأنه في الأصْل إزالةُ الحَرَض، نحو:«قَذَيْتُه» أي: أزَلْت قَذَّاهُ وأحْرَضْتُه: أفسَدْتُه كأقذيته، أي: جَعَلْتُ فيه القَذَى، والحَرَضُ في الأصْل: ما لا يُعْتَدُّ به ولا خَيْر فيه، ولذلك يقال للمُشْرِف على الهَلاكِ؛ «